Page 5 - التنوير 6-8 2
P. 5

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬             ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

                                                                              ‫مجلــــــــــــــــة‬

‫الفنون والآداب والهوية الثقافية في عصر العولمة‬

‫أحمد مجدي حجازي‬

                                                                                 ‫مدخل أولي‬

‫منذ إقحام العولمة في عالمنا المعاصر‪ ،‬تدور المناقشات ويتبارى الباحثون في شئون المجتمع‬
‫حول مأزق الأصالة والمعاصرة‪ ،‬مركزين على إشكالية الهوية الثقافية للشعوب‪ ،‬وخاصة في الجزء‬
‫الجنوبي من “القرية الكونية” وما أفرزته من مصطلحات حديثة مثل “جي ارن في عالم واحد”‪ ،‬و”ليب ارلية‬
‫جديدة” و”ثقافة موحدة”‪ ،‬وجماعات تتواصل بلا حواجز أو قيود؛ لذا بات الحديث الأهم عن الهوية‬
‫والخصوصية في علاقتهما التي تتسم بالتناقض بفعل إف ار ازت العولمة بآلياتها الاقتصادية والسياسية‬

                                                                    ‫والمالية والاجتماعية والثقافية؛‬

                                      ‫في التالي‪:‬‬       ‫حيث بات من المؤكد أن العولمة أضحت أمًار‬
                                                       ‫واق ًعا يتطلب الد ارسة العقلانية والبحث المتعمق الذي‬
            ‫• ضمان الاستم اررية التاريخية للأمة‪.‬‬       ‫يتعلق بسؤال مصيري هو ما مستقبل الهوية الثقافية‬
‫• تحقق درجة متقدمة من التوازن والتجانس بين‬             ‫في ظل عولمة تمكنت من تهديد خصوصية الت ارث‬
                                                       ‫البشري والحضاري بنسب متفاوتة في كل دول العالم‬
         ‫السكان في مختلف جهات الوطن الواحد‪.‬‬            ‫دون استثناء؟ أو بعبارة أخرى ما موقف الأمم التي‬
                                                       ‫تواجه الاخت ارق الثقافي الكاسح المؤثر سلًبا على‬
‫• تحافظ على مكانة وصورة الأمة أمام الأمم‬               ‫مقومات وركائز الهوية الثقافية‪ ،‬وما يصحب ذلك‬
‫الأخري‪ ،‬وذلك من خلال الحفاظ علي الكيان المميز‬          ‫من انتقال للقيم الاجتماعية‪ ،‬وتشويه للثقافة المحلية‪،‬‬
                                                       ‫وطمس للعادات والتقاليد والأع ارف‪ ،‬والتخلص من‬
                                     ‫لتلك الأمة‪.‬‬       ‫اللغة الوطنية‪ ،‬وقتل اللهجات المحلية؟ وكيف يمكن‬
                                                       ‫حماية الهوية الثقافية من الذوبان والتلاشي التي‬
‫أولاً‪ :‬اعتبا ارت أساسية في تحليل العولمة الثقافية‪:‬‬
                                                                                          ‫تتعرض لهما؟‬
‫على الرغم من شيوع تداول مصطلح العولمة بين‬              ‫ولا جدال في أن وجود المجتمعات تاريخًّيا‬
‫المثقفين في العالم‪ ،‬إلا أن ما يحيط به من غموض‬          ‫وجغ ارفًّيا مرهوٌن – بالمقام الأول – بوجودها الثقافي‬
‫يكاد هو المعبر عن السجالات التي تدور حوله‪،‬‬             ‫والحضاري الذي يميز شعًبا من الشعوب‪ ،‬والتي‬
‫فبرغم زخم الكتابات والتحليلات حول الظاهرة وآليات‬       ‫تمده بمنظومة القيم الاجتماعية الداعمة للهوية‪ ،‬تلك‬
‫تطبيقها في الواقع الفعلي‪ ،‬إلا أنه من الصعوبة بمكان‬     ‫الهوية التي تحقق جملة من الوظايف نذكر أهمها‬
‫تحديد كل جوانب العولمة كعملية لها أبعاد ومجالات‬
‫متشابكة ولا تقتصر على مجال واحد وإن كان في‬
‫الغالب اقتصادي الهدف لذا تغيب أحياًنا المجالات‬

                     ‫الأخرى خاصة الثقافية منها‪.‬‬

‫وفيما يلي نقدم بعض الاعتبا ارت التي تلقي‬

                                                    ‫‪5‬‬
   1   2   3   4   5   6   7   8   9   10