Page 114 - m
P. 114

‫العـدد ‪58‬‬   ‫‪112‬‬

                                                    ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬

‫شيرين طلعت‬

‫خلل‬

  ‫الجلسة‪ .‬لم ينتبه لكلام المدرب‪ ،‬فطوال الوقت كان‬      ‫يستند على حائط مبنى متهالك يتفقد حذاءه الذي‬
    ‫يرقبها‪ ..‬حركات يديها‪ ،‬نظراتها‪ ،‬طريقة شربها‬       ‫فتح فاه وكأنه يسخر من خطواته مثل أي شخص‬
    ‫للماء‪ ،‬تعليقاتها البسيطة‪ ،‬قيامها بالشخبطة على‬   ‫عرفه في حياته‪ .‬الاضطهاد الكلمة الملائمة التي يدور‬

  ‫الورق الذي تكتب فيه‪ ،‬يدها التي تلعب في شعرها‬                                             ‫في فلكها‪.‬‬
                                  ‫البني المموج‪..‬‬       ‫رغم مثابرته في كل شيء لم ينل ما يستحق من‬

       ‫انتهت الجلسة وهو سارح فيها إلى أن نبهته‬                                         ‫وجهة نظره‪.‬‬
                            ‫بسؤالها‪ :‬ألن تغادر؟‬      ‫زفر دخان سجائره بهدوء‪ ،‬دمعت عيناه‪ ،‬امتزجت‬
                                                       ‫دموعه مع عرقه الذي يغسل وجهه وكل جسده‪.‬‬
 ‫على الفور ابتسم وقال لها‪ :‬أكيد بالطبع‪ .‬ما اسمك؟‬
     ‫وأمسك هاتفه ليقوم باضافتها على الفيسبوك‪.‬‬            ‫تذكر وجوههم مع كلماتهم‪ .‬الشاب العشريني‬
                                                               ‫أصبح أربعينيًّا ولا أحد يعلم عنه شيئًا‪.‬‬
‫أخدت منه الهاتف قائلة‪ :‬سأبحث أنا أسهل‪ .‬أرسلت‬
‫الطلب لنفسي‪ ،‬ووافقت‪ .‬ضحكت وهي تعطيه هاتفه‪.‬‬           ‫تذكرها أي ًضا مع تلك الوجوه عندما رآها أول مرة‬
                                                    ‫ترتدي الأزرق‪ ،‬تنذره بالغرق في حبها‪ .‬اقتربت منه‬
   ‫شعر بأريحية وبجرأة لم تحدث له من قبل‪ ،‬أول‬        ‫لتجلس بجانبه وتسأله عن الكرسي الشاغر‪ ،‬في ظل‬
     ‫مرة يشعر بالقبول‪ .‬ح َّفزه ذلك لأن يطلب منها‬
     ‫تناول القهوة م ًعا‪ .‬وافقت مرة ثانية على تناول‬                  ‫ازدحام القاعة بالكراسي العامرة‪.‬‬
      ‫الشاي معه فهي لا تشرب القهوة؛ معللة أنها‬       ‫تجرأ ليسألها عن معرفتها بكوتش التنمية البشرية‬
                                                    ‫قبل أن تبدأ الجلسة‪ .‬ابتسمت وقالت إنها رأت اسمه‬
 ‫تناولتها بمختلف الأنواع ولم تستطع تقبلها‪ .‬بينما‬     ‫على الفيسبوك بإعلان ممول‪ ،‬وسعدت لأن الجلسة‬
  ‫كان يشرب القهوة أحس بالجوع‪ ،‬سألها‪ :‬ما رأيك‬
                                                       ‫مجانيَّة‪ .‬قالت إنها لا تؤمن بهذه الجلسات لكنها‬
             ‫أن نأكل سو ًّيا ويبقى «عيش وملح»؟‬      ‫تحب أن تعرف الأشياء عن قرب‪ .‬لا ترفض الأشياء‬
‫رفضت بدون إبداء أسباب؛ الجوع يقرصه ولكنه لم‬
‫يستطع أن يطلب شطيرة السجق التي رآها في طبق‬                                         ‫ح ًّقا إلا بالتجربة‪.‬‬
                                                    ‫شعر أنها تستحق أن تكون هي المدربة‪ ،‬ففي دقائق‬
                             ‫على طاولة مجاورة‪.‬‬
   ‫عاود سؤالها عن حديثها قبل الجلسة ولم تكمله‪.‬‬                       ‫معدودات أعطته در ًسا وح َّمسته‪.‬‬
‫أخبرته أنها لا تتذكر وغيرت الحديث‪ .‬كان مستمت ًعا‬          ‫قال إنه في كل مرة يذهب لكن بلا جدوى‪ ،‬لا‬

                     ‫بحديثها وابتسامتها المريحة‪.‬‬                                           ‫يستفيد‪.‬‬
             ‫مرة ثانية لم يفهم تلخيصها للجلسة‪.‬‬                       ‫ضحكت وقالت‪ :‬ربما العيب فـ‪..‬‬
     ‫نظرت للساعة وأردات أن تمشي‪ .‬شعر وقتها‬                ‫قاطعها المدرب بدخوله وهدوء القاعة‪ ،‬وبدأت‬
   109   110   111   112   113   114   115   116   117   118   119