Page 111 - m
P. 111

‫‪109‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫القصة‬

                                         ‫شيء‪..‬‬                    ‫يشي ُر إلى وجود قفزا ٍت صغير ٍة أثنا َء الصعود‪،‬‬
                                                                 ‫أستطعت فقط أن أعد أربع درجات‪ ،‬حيث فجأة‬
‫هذا الضوء‪ ،‬لا ُبد إنه الكهرباء‪ ،‬إنها المر ُة الأولى التي‬        ‫توق َف عن الصعود‪ ،‬ثم بدأ ُت أسمع صوت كوم ٍة‬
‫تكون فيها قطع ُة فح ٍم خرجت للتو من المنجم‪ ،‬وج ًها‬           ‫من المفاتيح‪ ،‬تخشخ ُش‪ ،‬تلاها مباشر ًة صو ُت ولوج‬

   ‫لوج ٍه أما َم الكهرباء‪ ،‬السبب الأزلي والغاية الأولى‬                                  ‫المفتاح في ُقفل الباب‪..‬‬
                       ‫من زج الفحم في المراجل‪..‬‬                     ‫لا بد أننا وصلنا إلى غرفته‪ ،‬حيث بدأ ُت ‪-‬في‬
                                                                 ‫الحقيقة‪ -‬أشع ُر بتوت ٍرغري ٍب ج ًّدا‪ ،‬يتخلل ُه شو ٌق‪،‬‬
      ‫في الحقيقة‪ ،‬لقد شعرت بغض ٍب شدي ٍد‪ ،‬ورغب ٍة‬            ‫ولهف ٌة كبير ٌة لمعرفة الأشياء التي ستحدث بعد قليل‪،‬‬
‫عارم ٍة في الانتقام‪ ،‬لك ْن سرعا َن ما هدأ ُت و َع َدل ُت عن‬       ‫وبينما أحاول تخمين مصيري‪ ،‬سمع ُت صو َت‬
                                                                    ‫إغلا ِق الباب بقسو ٍة‪ ،‬تلا ُه هدو ٌء مري ٌب ج ًّدا‪..‬‬
  ‫هذه الرغبة الساذجة‪ ،‬فماذا عساها أن تفعل قطع ُة‬               ‫هل قام بخلع السترة وتعليقها في خزانته دون أن‬
          ‫فح ٍم سودا َء وهش ٍة‪ ،‬أما َم كل هذا الضو ْء!‬
                                                                                                 ‫أشعر بذلك!‬
 ‫ولأجل أن أشغ َل نفسي عن هذا الشعور بالغضب‪،‬‬                                           ‫هل ح ًّقا لم أشعر بذلك؟!‬
   ‫رح ُت أراق ُب الرجل وهو يتجول في أرجا ِء ال ُغرفة‬            ‫كثرة الأصوات التي سمع ُتها‪ ،‬جعلت كل الأشياء‬
    ‫ُمحتا ًرا جدا‪ ،‬يفكربعم ٍق‪ ،‬بينما ينظ ُر بين اللحظة‬                               ‫التي تخيلتها تختلط علي‪..‬‬
 ‫والأخرى باتجاهي‪ ،‬نظر ًة ُتوحي بأنه سيقوم بفع ٍل‬                                  ‫يالحظ َي الأسود مثل لوني‪..‬‬
                                                             ‫صحيح أنني نجو ُت من أن يزجني أحدهم في النار‪،‬‬
                                            ‫ما‪..‬‬               ‫لكنني لا أتخيل أن ينتهي مصيري هنا‪ ،‬منسي ًة في‬
                                        ‫و ِفع ًل‪..‬‬                ‫جي ِب ستر ٍة صفرا َء‪ ،‬في خزان ٍة ُمعتم ٍة وباردة‪..‬‬
      ‫اقتر َب مني بسرع ٍة‪ ،‬التقطني مر ًة أخرى بين‬
  ‫أصاب ِعه‪ ،‬قربني من ف ِمه ونف َخ عليَّ بكل هدوء‪ ،‬ثم‬                                               ‫لكن مه ًل!‬
 ‫استدا َر جهة باب غرفتِه المُغلق‪ ،‬ذي اللو ِن الأبيض‪،‬‬              ‫أنا متأكد ٌة ج ًّدا‪ ،‬من أنني لم أسمع صو َت با ِب‬
    ‫وراح يمشي نحوه‪ ،‬رفع يده التي يحملني بها‪،‬‬
                                                                         ‫الخزان ِة ُيفتح‪ ،‬ولا صو َته أثناء إغلاقه‪..‬‬
    ‫وبدأ يحفني برف ٍق على بياض الباب من الداخل‪،‬‬                   ‫ربما بدأت أهذي‪ ،‬وعليَّ أن أهدأ قلي ًل‪ ،‬وأنتظر‪،‬‬
                                                              ‫فوجودي منذ الأز ِل في باطن الأرض‪ ،‬منحني قدرة‬
  ‫حيث بدأ ُت أشع ُر أن حجمي يتقلص شيئًا فشيئًا‪،‬‬                  ‫هائل ًة على التخيل‪ ،‬لدرج ٍة تجعلني أتخيل أشيا َء‬
  ‫كلما قام برسم خط جدي ٍد‪ ،‬واستمر بذلك دو َن أن‬
                                                                                   ‫تحد ُث‪ ،‬رغم أنها لا تح ُدث‪..‬‬
                                        ‫يتوقف‪.‬‬               ‫في زحمة كل هذه التساؤلات والريبة‪ ،‬سمع ُت صو ًتا‬

     ‫لا أعر ُف ما الذي يقوم به هذا الأحمق‪ ،‬حجمي‬                ‫غريبًا‪ ،‬ثم فجأ ًة شعر ُت بيد الرجل تتحسسني من‬
    ‫يتضاء ُل بسرع ٍة مخيف ٍة‪ ،‬وه َو يسر ُع أكث َر دون‬            ‫خارج الجيب‪ ،‬وأنا في عتمتها‪ ،‬تحاو ُل أن تقب َض‬
     ‫رحم ٍة‪ ،‬خط ُمنح ٍن من أعلى البا ِب إلى أسفله‪ ،‬ثم‬
‫دائرتان صغيرتان‪ ،‬داخل دائرتين أكبر منهما‪ ،‬بينما‬                ‫عليَّ برف ٍق‪ ،‬إنه يتأكد من أنني ما زل ُت موجود ًة في‬
  ‫أنا أذو ُب بشك ٍل مرعب‪ ،‬حتى صار حجمي بحجم‬                                                          ‫مكاني‪..‬‬
‫حبة لوز‪ ،‬بالكا ِد يستطي ُع أن يمسكني بين أصابعه‪..‬‬
‫ثم فجأ ًة‪ ،‬رمى ما تبقى مني على الأرض وهو يطلق‬                    ‫ها هي يد ُه أخي ًرا‪ُ ،‬يدخلها برف ٍق في عمق الجيب‪،‬‬
   ‫تنهيد ًة كبير ًة‪ ،‬واستلقى على الأريكة قبالة الباب‪،‬‬          ‫حي ُث يزداد توتري‪ ،‬يمسكني بين رؤوس أصابعه‬
                                                             ‫ويخرجني من ال ُعتمة قلي ًل قلي ًل‪ ،‬إنها اللحظة الأكث ُر‬
                          ‫يتأمل ما صنعت يداه‪..‬‬
                                                                                  ‫أهمي ًة‪ ،‬والتي طالما انتظرتها‪..‬‬
    ‫بينما أنا من مكاني‪ ،‬أشاهد معه ‪-‬بما تبقى من‬                 ‫قام الرجل ‪-‬بعد أن أخرجني من جيبه‪ -‬بوضعي‬
     ‫حجمي‪ -‬كيف تحول ُت من قطعة فح ٍم صغير ٍة‪،‬‬                 ‫على طاول ٍة خشبي ٍة‪ ،‬بين الكثير من الأدوات الغريب ِة‬
    ‫كانت س ُترمى في المراجل وقو ًدا للنار‪ ،‬إلى امرأ ٍة‬
‫عاري ٍة‪ ،‬مرسوم ٍة بعناية على با ِب غرف ِة رج ٍل غري ٍب‪،‬‬         ‫وال ُعلب المليئ ِة بالألوان‪ ،‬وأقلا ِم الرصاص‪ ،‬يتدلى‬
                                                                 ‫فوقنا من سقف الغرفة مصبا ٌح يضي ُء على كل‬
      ‫ووحي ٍد ج ًّدا‪ ،‬يبحث عن سب ٍب‪ ،‬لإيقا ِد النا ِر في‬
                                        ‫ُمخيلته‪.‬‬
   106   107   108   109   110   111   112   113   114   115   116