Page 108 - m
P. 108

‫العـدد ‪58‬‬   ‫‪106‬‬

                                                      ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬

    ‫سواي بشاعة الأفكار التي تستطيع الوحدة أن‬            ‫قد يجد نفسه قاد ًرا على ارتكابها حين يجد نفسه‬
‫تهمس بها في أذني شخص يائس‪ ،‬أو تزرعها عمي ًقا‬             ‫وحي ًدا في ليلة خميس ممطرة وبلا سجائر‪ .‬الأب‬
                                                        ‫يؤكد أن الطفلة كانت ممسوسة‪ ،‬وأنها كانت تهدد‬
    ‫في رأسه في ليلة خميس ممطرة كهذه‪ .‬مؤكد أن‬             ‫بذبحه هو وأمها‪ ،‬وأنه كان يسمعها تهمس بذلك‬
   ‫قابيل ‪-‬ليرحمنا الله‪ -‬قتل هابيل في ليلة شبيهة‪.‬‬      ‫وهي نائمة بلا توقف‪ ،‬وأنه ذبحها قبل أن تذبحهم‪.‬‬
   ‫اسمي ليلى‪ ،‬لا أثق بالألاعيب التي يمارسها علينا‬      ‫كان عليه «أن يذبحها قبل أن تذبحهم» كان يصرخ‬
  ‫العقل‪ ،‬ولا أحب الموسيقى الكلاسيك‪ ،‬وفشلت كل‬
    ‫محاولاتي اليائسة لتجعيد شعري المجعد أص ًل‬              ‫في وجه المذيع‪ ،‬ولم يكن في نيته إلصاق التهمة‬
   ‫بشكل منظم‪ ،‬وبالطبع كنت أدخن دون أن تعرف‬            ‫بأخيه‪ ،‬فهو يحب أخاه‪ ،‬ولكنه سمعه ذات مرة وهو‬
    ‫أمي ذلك قبل أن تموت‪ .‬وأعرف فتاة أو اثنتين‪،‬‬
    ‫تكتب واحدة منهن قصائد جيدة من وقت لآخر‬                ‫نائم يهدد أي ًضا بذبحهم دون توقف‪ .‬لذا‪ ،‬غالبًا‬
                                                      ‫سيذبحه هو الآخر قبل أن يذبح الأم التي يقسم أنه‬
      ‫وتعيش بمفردها‪ ،‬لديها علاقة أو اثنتين باءتا‬       ‫سمعها تهدد وهي نائمة بقتلهم دون توقف‪ ،‬والأم‬
 ‫بالفشل مع رجال أوغاد كما جرت العادة‪ ،‬لكن كل‬           ‫تؤكد أنه كاذب وي َّدعي الجنون‪ .‬والأب يؤكد أنه لا‬
‫هذا لا يخلق منها العاهرة التي يتصورها الآخرون‪.‬‬
                                                         ‫يكذب ولكنه مجنون‪ .‬الفتاة كانت ستذبحهم‪ .‬هو‬
     ‫استيقظ ُت وحيدة ج ًّدا مساء خميس قارس من‬           ‫سمعها وكان يجب أن يتصرف‪ .‬وعمها‪ ،‬إنه يحب‬
       ‫شهر يناير‪ ،‬أنا الفتاة التي تستيقظ بأقراص‬         ‫أخاه لكنه سيذبحهم‪ ،‬لذا عليه هو الأب «أن يذبحه‬
                                                      ‫قبل أن يذبحهم» كما يقول الأب بيأس‪ ،‬ولا يستطيع‬
     ‫وتنام بأقراص‪ ،‬وتشعر بثقل في لسانها غالب‬            ‫أن يواصل اعترافاته المفككة وغير المترابطة‪ ،‬التي‬
 ‫الوقت لقضائها الساعات صامتة لا تتحدث‪ .‬أشعر‬
                                                          ‫بقليل من التدقيق نجدها تمثل تجسي ًدا واض ًحا‬
   ‫بانكسار مميت في قلبي‪ ،‬وقد نفدت سجائري؛ يا‬             ‫لحالة متقدمة ومرعبة لما اصطلح على تسميته في‬
    ‫للمصيبة‪ .‬بالأمس في ليلة أقل مأساوية من هذه‬
                                                                        ‫كتب الطب بـ»الإسكيزوفرينيا»‪.‬‬
     ‫الليلة‪ ،‬قرأت قصة بديعة ج ًّدا عن موظف فقير‬        ‫هل تستطيع عزيزي القارئ أو عزيزتي القارئة أن‬
     ‫يعيش في موسكو واسمه ‪-‬يا للغرابة‪ -‬أكاكي‬              ‫تتخيل معي للحظة بشاعة ما يحدث؟ سواء أكان‬
     ‫أكاكوڤيتش‪ ،‬والسماء في موسكو لا تمطر‪ ،‬إنها‬
     ‫تقذف بندف ثلج تلسع وجوه المارة كالسياط‪،‬‬              ‫الأب مجنو ًنا أهلكته الضلالات أم شري ًرا أعماه‬
     ‫والرياح تزأر طوال العام كأسد غاضب‪ .‬عنيفة‬         ‫الحقد على أخيه‪ .‬ثمة فتاة ماتت‪ .‬فتاة صغيرة ماتت‪.‬‬

       ‫وغاضبة تزأر‪ .‬ولا تكتفي فقط بإزالة أوراق‬            ‫طفلة‪ ،‬وضعت رأسها على ساق أبيها‪ ،‬وأغمضت‬
 ‫الأشجار الجافة والعبث بمصاريع النوافذ‪ ،‬ولكنها‬           ‫عينيها مطمئنة‪ ،‬في انتظار أن يمسح على شعرها‬
‫قادرة تما ًما على انتزاع رجل متوسط الحجم يرتدي‬
  ‫معط ًفا ممز ًقا من الفرو ويخفي فيه زجاجة فودكا‬             ‫بحنان وهو يحكي لها «حدوتة» لطيفة حتى‬
  ‫منزلية الصنع عن أعين زوجته وزملائه في العمل‬          ‫تستغرق في النوم‪ ،‬فأخرج سكينًا من جيبه الخلفي‬
‫والحكومة‪ .‬كل الفصول شتاء‪ ،‬كل الأيام باردة وكل‬
                                                         ‫وذبحها شر ذبحة‪ .‬ولكن دعنا نتوقف قلي ًل عند‬
    ‫النهارات كئيبة‪ .‬لا شيء سوى الثلج الذي يظل‬             ‫هذا التعبير الغامض وغير المنطقي والمثير قلي ًل‬
‫يهطل ويتكاثف حتى تتحول روسيا بكاملها إلى كرة‬           ‫للأعصاب‪ ،‬قبل أن نكمل‪ ..‬ذبحها شر ذبحة وقتلها‬
                                                        ‫شر قتلة‪ .‬فهل قابلت من قبل ذبحة ألطف أو أشر‬
 ‫ثلج عملاقة‪ ،‬حتى إن البذور تتجمد في الأرض فلا‬          ‫من الأخرى؟ يا للمبالغات السخيفة التي قد يتورط‬
   ‫يستطيع الناس زراعة شيء سوى القليل‪ ،‬القليل‬             ‫فيها ال ُكتَّاب دون أي اعتبار لما قد يثيره ذلك من‬
    ‫ج ًّدا من الكرنب والبطاطس‪ .‬والبيض يتجمد في‬        ‫حنق وغيظ لدى القارئ المسكين‪ .‬المهم‪ ،‬لنعد للرجل‬
                                                        ‫في المذياع‪ .‬أنا أصدق أنه مجنون؛ العقلاء وحدهم‬
 ‫مؤخرات الدجاجات فلا تكف عن القأقأة والتقافز‪.‬‬          ‫لديهم القدرة على التخطيط الجيد لفعل شرير كهذا‪.‬‬
   ‫واللبن يتجمد في ضروع الأبقار فتموت العجول‬               ‫مؤكد هو مجنون‪ .‬فلو كان عاق ًل لقتل زوجته‬
                                                          ‫وأخاه بد ًل من الابنة‪ .‬كما أنني أعرف أكثر من‬
 ‫الصغيرة جو ًعا‪ .‬ربما لهذا السبب لم أسمع أو أقرأ‬
     ‫قط عن رج ٍل روس ٍّي واح ٍد تناول فطو ًرا شهيًّا‬
   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112   113