Page 106 - m
P. 106

‫العـدد ‪58‬‬   ‫‪104‬‬

‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬

     ‫كفي ًل بأن تتورد وجوههن خج ًل‪ ،‬ويغضضن‬
‫طرفهن حيا ًء‪ .‬أنا أؤكد لكم أن الأمر ليس كذلك‪ ،‬وأن‬

  ‫لدى البعض منا احتيا ًجا طبيعيًّا ج ًّدا وبريئًا وغير‬
  ‫مستند إلى رغبة جنسية ملحة‪ ،‬إلى مجرد الشعور‬

      ‫بالأنس ودفء المشاركة الذي تمنحه الصحبة‬
    ‫اللطيفة‪ ،‬والذي قد يتحقق بالكامل ‪-‬صدقوني‪-‬‬
 ‫بمجرد وجود شبح عائلي طيب‪ ،‬يحمل ملامح عمة‬
  ‫أو خالة ماتت في سن صغيرة‪ ،‬أو قطة تتمسح بك‬
  ‫في دلال‪ ،‬أو كلب لطيف يتبعك كظلك وأنت تتجول‬
   ‫في أرجاء المنزل‪ ،‬لا أنت تعرف ماذا تريد‪ ،‬ولا هو‬
‫يعرف ماذا تريد‪ ،‬لكنه يتبعك بحماس وهو يهز ذيله‬

                                       ‫بسعادة‪.‬‬
   ‫ملحوظة خارج السياق الطبيعي للأحداث‪ ،‬لكنها‬
 ‫لازمة ولا بد منها ووليدة تجربة حقيقية‪ :‬لا أنصح‬
‫باقتناء الكلاب كبيرة الحجم في المساحات الصغيرة‪،‬‬

      ‫والشقق المغلقة‪ ،‬لأن تلك التجربة تنتهي دائ ًما‬
 ‫بمأساة حقيقية‪ ،‬تتضاءل مع فداحتها مرارة قضاء‬

   ‫ليلة خميس ممطرة كهذه بمفردك‪ ،‬بقلب مكسور‬
                                   ‫وبلا سجائر‪.‬‬

‫لست سوى مزحة سيئة لم يضحك عليها أحد‪ .‬لكن‬
‫دعونا من ذلك الرثاء السخيف على الذات لأن سببه‬

  ‫الوحيد في الغالب هو الجو العام المقبض والكئيب‬
      ‫للقصة التي ليست قصة لليلة خميس ممطرة‬

‫وكئيبة‪ .‬لأنه في الغالب لن يجعل قصتنا هذه أقل أو‬
                        ‫أكثر تماس ًكا أو هشاشة‪.‬‬

         ‫حسنًا‪ ،‬كانت تمطر‪ .‬نمت قلي ًل واستيقظت‬
    ‫مذعورة‪ ،‬ثم غططت مرة أخرى في نوم متقطع‪،‬‬

      ‫وعندما استيقظت استيقاظي النهائي كنت قد‬
    ‫نسيت تما ًما سبب استيقاظي الأول‪ ،‬وإن ظللت‬
   ‫أشعر بوخزة ألم حادة وغامضة في قلبي‪ ،‬وخزة‬
  ‫مشابهة لتلك الناتجة عن فشل عميق في الحب‪ ،‬أو‬
    ‫عن خيانة عنيفة‪ .‬لا أدري من الذي قال لي ذات‬
  ‫مرة إن «الرعب الذي يصنعه الكابوس‪ ،‬لا يمحوه‬

                     ‫الاستيقاظ»‪ ،‬لكنه كان مح ًّقا‪.‬‬
‫صديقة ما نصحتني بأن أقرأ السلام عليك يا مريم‬

      ‫الممتلئة نعمة مئة مرة قبل الاستسلام لقيلولة‬
    ‫النحس تلك‪ .‬لكنني نمت في الخامسة والتسعين‬
‫واستيقظت وأنا ما زلت أهمس بلهفة «السلام عليك‬
    ‫يا مريم الممتلئة نعمة» لكن لا شيء تغير؛ نفس‬
   101   102   103   104   105   106   107   108   109   110   111