Page 117 - m
P. 117

‫‪115‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫القصة‬

  ‫وحطمتها‪ ،‬هي نفسها التي منحت لجسدي المتعة‪.‬‬            ‫فتحت عدة حسابات بأسما ٍء وشخصيات مختلفة‪،‬‬
     ‫كنت أنا وحبيبة نضاجع بعضنا البعض في أي‬                ‫جعلت ِمن هذا العالم نافذة أتنفس من خلالها‬
                                                             ‫الهواء‪ .‬هو عالم أنا َمن أتحكم به‪ ،‬يحلِّق بي‬
 ‫وقت وفي كل مكان‪ ،‬في بيتها أو في شقتي‪ ،‬أو حتى‬
 ‫في بيتنا؛ فالباب مغلق على فتاتين‪ ،‬ماذا تفعلان؟ لا‬      ‫خارج الجدران‪ ،‬دخلت على مواقع الشات‪ ،‬عرفت‬
  ‫يهم‪ ..‬طالما لا أحد يرى‪ ،‬طالما لا أحد يتحدث‪ ،‬ليس‬          ‫شخصيا ٍت كثيرة من بلا ٍد شتَّى‪ ،‬تعرفت على‬

     ‫هناك أثر ل ُجرم‪ ،‬ليس هناك رجل ُي ْض َبط‪ ،‬ليس‬     ‫«حبيبة» طبيبة تحمل رسالة الماجستير من إيطاليا‪،‬‬
 ‫هناك َمنِ ّي تفوح رائحته ويجلب الاتهام‪ ،‬هناك فقط‬        ‫ولا تمارس عملها؛ فهى غير متحمسة للعمل في‬
                                                        ‫المستشفيات الحكومية برات ٍب لا يكفى متطلبا ِتها‪،‬‬
                       ‫جدران لا تشي بالأسرار‪.‬‬
  ‫في البداية يكون الشغف‪ ،‬والشغف وهج‪ ،‬والوهج‬            ‫حيث إنها من أسر ٍة غنية لديها معرض للسيارات‪.‬‬
‫كالنار‪ ،‬تشتعل في البداية‪ ،‬ثم تهدأ‪ ،‬ثم تكمد فتصبح‬           ‫صارت حبيبة حبيبتي وصديقتي‪ ،‬صارت كل‬
                                                           ‫ِمنا تعرف كل تفاصيل حياة الأخرى‪ ،‬وكأننا‬
    ‫رما ًدا‪ .‬ارتوت ِمني حبيبة‪ ،‬أصبح ُت بالنسبة لها‬
  ‫طب ًقا تناولته كل يوم لفترة‪ ،‬حتى أنها أصبحت لا‬        ‫نعيش م ًعا‪ .‬شهران مضيا على معرفتنا من خلال‬
‫تجد له مذا ًقا‪ .‬لم أكن أعرف وقتها هل كان شعوري‬         ‫العالم الافتراضي‪ ،‬كانت شخصي ًة جذابة وم ِرحة‪،‬‬
  ‫نحوها الشعور نفسه‪ ،‬والسأم ذاته من العلاقة أم‬          ‫بدت وكأنها كتاب يتكلم عن كل العلوم‪ ،‬أصبحت‬
   ‫لا‪ ،‬لكنى لم أحت ّج أو أتساءل أو ألهث وراءها من‬
                                                          ‫في شغ ٍف لرؤيتها‪ ،‬وهي أي ًضا‪ ،‬اتفقنا على ذلك‪،‬‬
               ‫أجل إبقاء العلاقة‪ ،‬فذهبت واختفت‪.‬‬        ‫والتقينا‪ .‬كان أول لقا ٍء بيننا في بيتها‪ ،‬كانت تسكن‬
‫الفريسة تصبح صيَّا ًدا ماه ًرا حين تقترب من الموت‬     ‫مع أهلها‪ ،‬لكن كانت تستقل جنا ًحا بمفردها بجوار‬
                                                        ‫بيتهم الفخم؛ حتى تتفرغ لدراستها‪ .‬وفي جناحها‬
   ‫ولا تموت‪ ،‬تجرح ولا تنزف‪ ،‬كأنها تثأر لروحها‬           ‫هذا تفعل كل شىء بحرية‪ ،‬تلبس ملابس خفيفة‪،‬‬
                         ‫التي كانت هي الضحية‪.‬‬
                                                         ‫بل في بعض الأحيان كنت أجدها عارية‪ .‬لا أحد‬
    ‫ال ِعطاش كثيرات‪ ،‬وكثيرة تلك الأجساد الجائعة‪،‬‬         ‫يقترب من جناحها‪ ..‬زرتها مرات‪ ،‬وزارتني هي‬
     ‫الباحثة عن متع ٍة دون أثر‪ ،‬دون جر ٍم مشهود‪،‬‬      ‫أي ًضا‪ ،‬عرف ْت كيف تدخل حياتي‪ ،‬وكيف تكسب ثقة‬
      ‫الباحثات عن ميا ٍه تروي ولا تنبِت‪ .‬لم أستطع‬       ‫أهلي‪ ،‬فالخروج ِمن بيتنا يكون السماح به سري ًعا‬
   ‫إحصاء الفتيات اللائي عرفتهن‪ ،‬منهن َمن اكتفت‬            ‫طالما معها أو لزيارتها‪ .‬فى بيتها كنت أشعر أنا‬
 ‫بالمعرفة والمتعة عبر العالم الافتراضي‪ ،‬ومنهن َمن‬       ‫أي ًضا بحرية‪ ،‬أشعر براح ٍة لا أشعر بها في بيتنا‪،‬‬
‫أدمنتها وأدمنتني لفترة ثم مضت كسابقتها‪ .‬وح َدها‬           ‫ولا حتى في شقتي‪ .‬أصبحت أنا وحبيبة رو ًحا‬
‫المتعة التي تبقى‪ ،‬والشغف لدخول علاق ٍة جديدة مع‬          ‫واحدة‪ ،‬وجسدين يستمتعان ببعضهما البعض‪..‬‬
                                                         ‫نعم‪ ..‬يستمتعان‪ ،‬فبعد أن علَّمتني كيف أستمتع‬
                    ‫فتا ٍة جديدة لها مذا ٌق مختلف‪.‬‬    ‫بجسدي‪ ،‬علَّمتني كيف تستمتع بي وتمتِّعني‪ ،‬كيف‬
       ‫الغربة بح ٌر يبتلع سابحيه‪ ،‬في الغربة يتحول‬      ‫نصل م ًعا إلى درجة الانتشاء والنشوة‪ .‬متعة دون‬
  ‫الإنسان إلى جس ٍد يحقق الأحلام‪ ،‬أحلا َمه وأحلا َم‬      ‫قيود‪ ،‬دون حيا ٍء أو َتص ُّنع‪ ،‬دون انتظار حصا ٍد‬
‫َمن حوله ِمن أهله وأحبائه‪ ،‬جس ٍد يحمل رو ًحا عليها‬     ‫لها‪ ،‬من غير حسابات للتبويض‪ ،‬أو و ْضع وسادة‬
  ‫أن تقاوم أمواج الشوق‪ .‬الشوق لحبيب ٍة أو لأ ٍّم‪ ،‬أو‬  ‫تحت مؤخرتي كى تسهل طريق ال َمني‪ ،‬دون تأخير‬
  ‫حتى لمكان‪ .‬وهكذا تتحول الغربة إلى وح ٍش كاس ٍر‬      ‫المضاجعة لتجميع أكبر عدد من الحيوانات ال َمنوية‪.‬‬
 ‫ينهش الروح مع كامل استسلامها وقناعتها‪ .‬هكذا‬            ‫دون كل هذه الأشياء التي تضيِّع النشوة وتكمد‬
 ‫كانت حياة «كرم»‪ ،‬زوجي الذي كان كل عام يعزم‬           ‫الرغبة‪ ،‬وتح ِّول الأجساد إلى مجرد أعضاء تناسلية‬
   ‫على الاستقرار‪ ،‬لكنه يعاود السفر‪ ،‬ويسعى خلف‬
                                                                                      ‫لإنتاج الأطفال‪.‬‬
                                ‫أحلا ٍم لا تنتهي‪.‬‬     ‫وكانت الجدران لا تشي بالأسرار؛ فليس لها أعين‬
   ‫لم أنجب‪ ،‬أبت الأرواح البريئة أن تأتي في عالمنا‪،‬‬
   ‫العالم الذي خلا من أرواحنا‪ ،‬لم َيبق لدينا سوى‬          ‫ولا آذان‪ ،‬تلك الجدران التي تهاوت على روحي‬
‫أجسا ٍد من َهكة‪ ..‬جسدي أنهكته المتعة‪ ،‬جف ِمن كثرة‬
   112   113   114   115   116   117   118   119   120   121   122