Page 121 - m
P. 121

‫نون النسوة ‪1 1 9‬‬                                   ‫هي أي ًضا‪ ،‬ويصفونها بصفات تدخلها تحت المساءلة‬
                                                   ‫الأخلاقية‪ ،‬دون أن يشفع لها خيالها‪ ،‬أو تستند على‬
    ‫عن مشاعرهم وأحاسيسهم‪ ،‬كانت المرأة واح ًدا‬
  ‫من هذه المجازات‪ ،‬فجاءت متأخرة على لغة ليست‬                                        ‫طبيعة موهبتها‪.‬‬
   ‫هي من شاركت في بنائها‪ ،‬نعم كانت مادة مهمة‬            ‫تبدأ صورة الذات الحائرة بين خيالها المتعدي‬
  ‫في هذا البناء‪ ،‬لكنها لم تصنعه أو حتي تشارك في‬          ‫حدود واقعها‪ ،‬وبين واقع ثقيل شديد الضغط‬
‫صناعته‪ ،‬بل تركت لبنائها ‪-‬من غير قدرة أو قل من‬         ‫على كاهل من يمارسون معه الحياة‪ ،‬واقع يعتقد‬
  ‫غير سماح لقدراتها‪ -‬أن يصنع منها ما أراد؛ لكن‬           ‫أصحابه أنهم يملكون حركة الحياة‪ ،‬يمنحون‬
 ‫هذا الأمر لم يبق على حاله‪ ،‬فقد آن لها أن تستيقظ‬       ‫ويمنعون ما يشاءون لمن يشاءون‪ ،‬يتألهون على‬
 ‫من رقاد طويل‪ ،‬وتنتزع لغتها لتصير فاع ًل بعد أن‬         ‫الله سبحانه‪ ،‬ويمسكون عصا العقاب والثواب‬
 ‫كانت مفعو ًل به زمنًا طوي ًل‪ ،‬متحدثة عن ذاتها عن‬   ‫فيدخلون الجنة نا ًسا ونا ًسا للنيران‪ .‬في هذا الزمن‬
  ‫غبنها الذي كان‪ ،‬عن دورها المغتصب في حضارة‬        ‫الصعب من يمارس التعبير بالكتابة أو يمارس أحد‬
‫أنارت جنباتها من خلف الستار‪ ،‬هنا ظهرت تجارب‬        ‫فنون الإبداع‪ ،‬هو في نعمة‪ ،‬لأنه سيصير بمنأى عن‬
  ‫نسائية تتمرد على هذه اللغة لتصنع لنفسها لغتها‬
‫التي تعبر عنها وعن تجاربها الخاصة‪ ،‬وعن تجارب‬                                        ‫الجنون بالفعل‪.‬‬
                                                         ‫منذ الإهداء نجد حوا ًرا كامنًا بين الذات وبين‬
      ‫بني جنسها‪ .‬ببساطه أيقنت لكي تكون مبدعة‬        ‫اللغة‪ ،‬المبدع يصل إلى ذاته عن طريق لغته‪ ،‬ويمتلك‬
 ‫حقيقية يجب عليها أن تمتلك لغتها لأن المبدع يولد‬       ‫لغته من خلال ذاته‪ ،‬لتصبح له ملكيته الخاصة‬
                                                     ‫في نصوصه‪ ،‬هنا يصير النص أكثر الأشياء شب ًها‬
                     ‫من لغته حتى يصل إلى أناه‪.‬‬          ‫بصاحبه‪ ،‬ذلك إن كانت البذور صالحة والتربة‬
      ‫تهدي الشاعرة نصوصها إليها‪ ،‬وهل غيرها‬           ‫خصيبة‪ ،‬هنا تكون الذات منب ًعا لكل مجاريها بعد‬
  ‫يستحق منها ذلك‪ ،‬خاصة في لحظات التمرد تلك؟‬         ‫ذلك‪ .‬إن ذات المبدع غالبًا بعد أن تمتلك ذاتها تبحث‬
 ‫لقد وجدت بعد رؤيتها للحياة من حولها‪ ،‬وخبرتها‬         ‫عن واقع تعيشه‪ ،‬فتصطدم بالذات الجمعية التي‬
  ‫بمن خالطت أن ذاتها أولى الناس بهذا الفعل الذي‬    ‫تقاسمها أحلامها وكوابيسها‪ ،‬شروخها وتشققاتها‪،‬‬
   ‫خرج منها عن اقتناع‪ ،‬هو وليد ذاتها التي تبحث‬     ‫جروحها وتشوهاتها أي ًضا‪ .‬إن المبدع الحقيقي يريد‬
   ‫عن مغايرة السائد لا ريب في ذلك‪ ،‬فلذلك وجدت‬          ‫أن يقرأ الواقع من حوله بطريقته التي صنعتها‬
   ‫نفسها أحق به من غيرها‪ ،‬تقول (إل َّى حين عرفت‬        ‫ذاته‪ ،‬يقرأه بأناة وسعة صدر‪ ،‬لا بما يوحي به‬
‫أني الحقيقة‪ /‬وأنكم الخديعة الكبرى فرفعت رأسي‬          ‫من ضيق‪ ،‬وما يقدمه من كوابيس وهلاوس لكي‬
  ‫وابتسمت) ص‪ .5‬إنه البحث المضنى عن الحقيقة‪،‬‬
     ‫إن الحقيقة ثبات ويقين وإدراك تام لكينونتها‪،‬‬                     ‫يستطيع أن يخرج منه بما يريد‬
  ‫هي المعرفة التي لا يصل إليها‬                                                           ‫من إبداع‪.‬‬
   ‫الإنسان اعتبا ًطا؛ ولكن يصل‬
‫إليها بعد يقين تام لذاته‪ ،‬وقدرة‬                                          ‫هل هذا ينطبق على الشاعرة‬
  ‫عالية على تحليل تجاربه‪ ،‬وما‬                                             ‫الأنثى؟ هل تستطيع المرأة‬
      ‫مر به من انكسارات‪ ،‬وما‬
  ‫عرفه من اختلافات غيره عنه‪،‬‬                                           ‫الشاعرة أن تبحث عن إبداعها‬
   ‫فيصل إلى قناعاته الشخصية‬                                          ‫ولغتها خارج إطار اللغة الأبوية‬
   ‫أنه الحقيقة‪ .‬ومن هنا وجدت‬
    ‫الشاعرة نفسها مغايرة عن‬                                              ‫الذكورية‪ ،‬وهل تستطيع أن‬
    ‫الرجل بنية وتكوينًا‪ ،‬جس ًدا‬                                           ‫تقدم لغة خاصة تدين هذه‬
   ‫وشك ًل‪ ،‬رو ًحا وتفكي ًرا‪ ،‬فهل‬                                        ‫السطوة الأبوية المقدسة التي‬
     ‫بعد إدراكها لكينونتها تلك‪،‬‬                                         ‫ظل يتغنى بها الشعراء طوال‬
 ‫تكرر لغته مرة أخرى ولا تنظر‬                                          ‫تاريخهم؟ لغة ذكورية يعتزون‬
                                                                          ‫بها منذ القدم صاغوا فيها‬
                                                                          ‫الحقيقة والمجاز الذي يعبر‬
   116   117   118   119   120   121   122   123   124   125   126