Page 38 - merit 50
P. 38

‫العـدد ‪50‬‬   ‫‪36‬‬

                                                       ‫فبراير ‪٢٠٢3‬‬

     ‫أبان عبد الفتاح كليطو عن النوايا المبيتة للثقافة‬  ‫وضعية المركز‪ ،‬وظيفتها الأساسية هي سياسية أكثر‬
  ‫العالمة‪ ،‬ثقافة الشاعر‪ ،‬وهدم نسق الكتابة السردية‬                                 ‫منها معرفية أو أدبية‪.‬‬
‫التي بنيت على التهميش والإقصاء والشك‪ ،‬حيث رأت‬
‫في المركز كل قيم النبل والكمال‪ ،‬وكل القيم المحمودة‬         ‫تتأسس إذن هذه المسلمة على فرضية مفادها أن‬
    ‫بينما رأت أن الآخر (الهامش) الشعبي والتشتت‬          ‫الكتابة كظاهرة اجتماعية تؤسس للهامش وللمركز‪،‬‬
‫وكتاباته لا ترقى للقراءة وتتضمن كل القيم السلبية‪.‬‬
                                                             ‫وتظهر فيها الحدود بين ثقافة الهامش وثقافة‬
 ‫المتعة والقراءة عند عبد الفتاح كليطو‬                  ‫المركز‪ .‬على اعتبار أن أي «منظومة لغوية ما (الشيء‬
                                                       ‫الذي يعني ليس فقط مفرداتها بل نحوها وتراكيبها)‬
       ‫انتقل كيلطو بالنقد الأدبي العربي ‪-‬والمغربي‬
‫خصو ًصا‪ -‬من طابعه المفاهيمي إلى طابعه السردي‪،‬‬                 ‫تؤثر في طريقة رؤية أهلها للعالم‪ ،‬وفي كيفية‬
 ‫وسجل حول السرد العربي ملاحظات دقيقة‪ ،‬حيث‬                    ‫مفصلتهم له‪ ،‬وبالتالي في طريقة تفكيرهم(‪.»)3‬‬
                                                          ‫لقد كانت الكتابة الشعرية مسخرة لخدمة الثقافة‬
   ‫لاحظ المفارقة الكبيرة بين الأنا والآخر خاصة في‬
 ‫موضوع «الترجمة» كما هو مجسد في واقع الثقافة‬                                       ‫العالمة على مستويين‪:‬‬
                                                       ‫الأول‪ :‬هو إنتاج ثقافة غير شعبية أو هامشية تخدم‬
      ‫العربية القديمة‪ ،‬وبين التراتبية السياسية بين‬
 ‫المكتوب والشفوي‪ ،‬ورأى أن الثقافة العربية القديمة‬                                 ‫مصالح النخبة المثقفة‪.‬‬
  ‫لا يمكن أن يعاد إحياؤها إلا من خلال تحقيق مبدأ‬            ‫الثاني‪ :‬كان ينظر فيها إلى السرد بما هو مركز‬
                                                         ‫لإنتاج ثقافة شعبية هامشية موازية‪ ،‬تنتج مؤلفين‬
     ‫المجاورة بينها وبين الثقافة الغربية‪ ،‬فقارن بين‬
                               ‫«المعري ودانتي»‪.‬‬                               ‫منبوذين اجتماعيًّا وثقافيًّا‪.‬‬
                                                          ‫الأمر الذي تنبه له كاتبو المقامات ومترجمو كلية‬
    ‫يقول عبد الفتاح كليطو‪« :‬قبل بضع سنوات‪ ،‬قد‬          ‫ودمنة الذين فطنوا إلى خطر الكتابة العالمة التي تبتلع‬
   ‫طلب مني‪ ،‬في إطار نشاط موسيقي نظم في مدينة‬            ‫لغة الهامش‪ ،‬والابتلاع هنا بما هو سيطرة لغة على‬
   ‫ستراسبورغ الفرنسية‪ ،‬أن أقدم مقامات الهمذاني‬           ‫لغة أخرى‪ ،‬هذا الابتلاع هو ثقافي بالدرجة الأولى‪،‬‬
    ‫لجمهور يتكون من فرنسيين خاصة‪ .‬اعتقدت في‬             ‫لهذا حرص عبد الفتاح كليطو عند حديثه عن قضية‬
   ‫البداية أن الأمر سيكون سه ًل ومري ًحا‪ :‬يكفي أن‬      ‫المؤلف والكتابة ‪-‬خاصة السردية القديمة‪ -‬أن يثبت‬
    ‫أتحدث عن الكدية التي تشكل الموضوع الرئيس‬              ‫وراء مفهوم الارتياب مفهوم البنية الفوقية‪ ،‬التي‬
   ‫للمقامات‪ ،‬وأن أبدي ملاحظات عامة حول السجع‬              ‫تعني الكل الثقافي وليس الثقافة العالمة فقط‪ .‬لذلك‬
                                                           ‫نجد أصحاب المقامة الهامشيين رفضوا التحول‬
     ‫والمحسنات البديعية‪ .‬على كل حال لن يحاسبني‬
‫أحد‪ ،‬فالجمهور الذي سأخاطبه يجهل جه ًل تا ًّما فن‬             ‫إلى آلة لإنتاج فكر الثقافة العالمة باعتباره فك ًرا‬
 ‫المقامات‪ ،‬بل الأدب العربي برمته‪ .‬إنه جمهور هين‪:‬‬        ‫استيلابيًّا‪ ،‬فأنتجوا بدلها ثقافة شعبية داخل النسق‬

    ‫ألقي محاضرة تنتهي بتصفيق مهذب‪ ،‬ثم يذهب‬                  ‫الثقافي العربي كلفت بإنتاج الأدب الشعبي‪ ،‬كما‬
    ‫كل واحد في حال سبيله‪ ..‬فقد ثبت في ذهني أنه‬           ‫رفضت أن تتحول إلى قصائد تافهة أو إلى دواوين‬
  ‫من الواجب إثبات قرابة ما بين الهمذاني ومؤلفين‬          ‫شعرية تزداد اعتدا ًدا بالنفس وبالثقافة العالمة كلما‬

                                    ‫أوربيين(‪.»)4‬‬                        ‫اقتربت من السلطة أو علية القوم‪.‬‬
    ‫إعادة التوازن المختل في جانب القراءة التي تهتم‬        ‫لقد توج المسار المعرفي للمؤلف في الثقافة العربية‬
                                                         ‫‪-‬حسب كليطو‪ -‬باكتشاف سموم الثقافة العربية‪،‬‬
      ‫بالشعر وتهمش النثر هو ما يشكل أهمية عند‬
‫الباحث عبد الفتاح كليطو‪ ،‬الذي يجب عليه أن يتحمل‬                ‫التي كانت تعتبر فعل الكتابة والتأليف ش ًّكا‬
                                                        ‫وارتيا ًبا متجس ًدا في أفكار الثقافة العالمة‪ ،‬فأدرك أن‬
   ‫مسؤولية وواجب إعادة التفكير في السرد العربي‬
     ‫القديم وإعادة السرد إلى المركز‪ ،‬وذلك من أجل‬          ‫طابع التأليف ‪-‬خاصة في السرد‪ -‬ليس علميًّا بل‬
                                                          ‫إيديولوجيًّا‪ ،‬ويشتد الضغط على الكتابة خاصة في‬
   ‫الإسهام فيما يسميه عبد الفتاح كليطو خلق المتعة‬         ‫فروع القص والحكاية المكتوبة والمقامات‪ ،‬وتخف‬

                                                           ‫وطأته في الخطب والرسائل الديوانية أو غيرها‪.‬‬
   33   34   35   36   37   38   39   40   41   42   43