Page 28 - إرشاد سياحي يوناني
P. 28
قناع من الجص الملون لسيدة متوسطة العمر .العيون مطعمة بحجرُ ،رسمت عليه القزحية باللون الأسود.
القناع يحمل ملامح لسيدة آسيوية ،وتسريحة الشعر ترجع هذا القناع إلى عهد ماركوس أوريليوس (181-161
م).
الأقنعة الجصية
يحدثنا المؤرخ اليوناني بوليبيوس ( 125-218ق.م) عن العادات الرومانية المختلفة في أثناء زيارته إلى روما
عام 166ق.م ،وأهم ما جذب اهتمامه عقائد الارستقراطي الروماني الجنائزية ،فيقول« :عندما تموت شخصية
رومانية مشهورة ُيح َمل الميت في احتفال ضخم إلى الفورم ،حيث يوضع عند المنصة في موضع يراه منه
الجميع .وبينما يحيط كل الشعب بالمتوفى ،يصعد الابن أو أحد أفراد الأسرة إلى المنصة حيث يلقي قصيدة
رثاء ،يعدد فيها فضائل المتوفى .بعد هذه القصيدة ُيدفن الميت حسب العادات الجنائزية المتبعة ،أما صورته
الموضوعة في مقصورة خشبية ،فإنها كانت توضع في مكان مرئي بالمنزل .هذه الصورة كانت عبارة عن
قناع من الشمع يمثل الملامح الدقيقة للمتوفي ،يصنع بعيون مطعمة ،وشعر مستعار .في المناسبات الخاصة
كانت الصور تعلق وتزين بعناية فائقة ،وعند موت عضو آخر مشهور من الأسرة ،كان أفراد من الأسرة
متماثلين في البنيان مع الشخصيات المتوفاة يضعون على وجوههم هذه الأقنعة الجنائزية ،ويلبسون معها
الملابس الخاصة بوظائف الشخصيات المتوفاة .كل هؤلاء كانوا يركبون العربات يسبقهم حاملو الأعلام إلى
ساحة المدينة .Forumوعند انتهاء قصيدة الرثاء الخاصة بالمتوفي كان على الخطيب ذكر السابقين لهذا
المتوفى والمعروضة صورهم باد ًئا بالأقدم .وهكذا كان الرومان يجددون باستمرار شهرة وفضائل الرجال
العظام؛ حتى يخلدوا ذكرى من أدوا خدمات جليلة للوطن على مر العصور».
من هذا يتضح أن الأقنعة الجنائزية عند الرومان لم تنشأ من عقيدتهم في اتحاد الميت مع الآلهة بعد الموت،
ولكن نشأت من الحاجة لتخليد فضائل وعظمة المتوفى في أثناء حياته .وعندما استقر الرومان بمصر لم يتفهموا
إلى حد ما غموض العقيدة المصرية ،وإنما تأثروا بها فقط بحيث أصبحوا يهتمون أي ًضا بالجسد بالإضافة إلى
الصورة التي تحمل الملامح الشخصية .وهكذا أصبحت الصورة – سواء كانت صورة مرسومة أو قنا ًعا –
والمومياء وكذلك التابوت ثلاثية ضرورية لعبادة الصور .كما كانت تعرض المومياء في أفنية المنازل
الرومانية لمدد طويلة بعد أن أصبحت المومياء تحل محل الصورة .وقد لجأ الرومان إلى دفن هؤلاء الموتى بعد
فترة طويلة ،عن طريق دفنهم جماع ًّيا في بئر واحدة ،وذلك عند تكدس المومياوات في فناء منزل الأسرة.
صناعة الأقنعة الجنائزية الرومانية
وكانت الأقنعة ُتصب في قوالب ،وبعد ذلك ُيضغط عليها بالأصابع وهذا يظهر من وجود آثار الأصابع من
الداخل .بقية التفصيلات الصغيرة كانت ُتصنع باليد ،وتضاف للرأس أو ًلا :الجمجمة ،ثم الأذنان ،ثم العينان –
إن لم تكن مرسومة -ثم ُيغطى القناع بعد ذلك بطبقة رقيقة من المصيص بحيث تظهر كل التفصيلات ،ثم يبدأ
الفنان بعد ذلك في عمل تسريحة الشعر على حدة ،وتلصق على الرأس ،وفي حالة إضافة تاج على الرأس ،كان
هو الآخر ُيصنع على حدة وكذلك الحال بالنسبة للحيته.
اتضح عند دراسة الأقنعة الجنائزية أن جميعها تمثل أشخا ًصا لا تتعدى أعمارهم الأربعين عا ًما ،ومعنى ذلك أن
الأقنعة الجنائزية لم تكن تصنع للفرد بعد وفاته ،وإنما في أثناء حياته ،بدليل أنه لم ُيلاحظ في هذه الأقنعة أي
تعبير عن ارتخاء عضلات الوجه ،وإنما ع َّبرت عن وجوه حية.
بعد تشكيل القناع يثبت على المومياء من خلال ثقوب تسمح بإحاطة القناع في لفائف المومياء .وقد اختلفت
الأقنعة من حيث حجمها ،فمنها ما كان ُيغطي الوجه فقط ،أو يمتد للرقبة أو جزء من الصدر .أي ًضا ،اختلفت في
28