Page 187 - merit 38 feb 2022
P. 187

‫تصبح المصادفة ‪-‬بوصفها تصوًرا موضوع ًّيا‪-‬‬                          ‫الجديدة كثي ًرا ما تختفي‬
 ‫أداة ثورية لفهم طبيعة النظرية العلمية‬                           ‫في خلال حوالي دقيقة من‬
                                                                 ‫ظهورها إذا لم يبذل جه ًدا‬
    ‫وصياغتها وتطويرها‪ ،‬فلا ينبغي المرور‬                           ‫لاقتناصها‪ ،‬وذلك بتركيز‬
    ‫عليها مروًرا عابًرا دون الإشارة إلى هذه‬                      ‫الاهتمام عليها وقتًا يكفي‬
‫الوظيفة‪ ،‬والتي لا تخالف المنطق‪ ،‬بل إنها‬                           ‫لتثبيتها في الذاكرة‪ .‬ومن‬
   ‫تسير وفق ما يقتضيه‪ ،‬وإن كان المنطق‬                            ‫الأساليب النافعة الشائعة‬
  ‫الفطري السليم‪ ،‬أي أن العالم لا يرتب لها‬                        ‫الاستعمال‪ ،‬أن يعتاد المرء‬
‫استنباطات بعينها يستنبط منها قوانين‬
  ‫المصادفة أو نظرياتها‪ ،‬بل هي تأتي أوًل‬                             ‫الاحتفاظ بورقة وقلم‪،‬‬
                                                              ‫وتدوين الأفكار الجديدة حالما‬
  ‫إلى صياغة النظرية العلمية‬      ‫«إخراجها من ذهنك» بأقل‬
                ‫وتطويرها؟‬          ‫قدر ممكن من قطع حبل‬            ‫تومض في الذهن‪ .‬ويقال‬
                                  ‫التفكير في العمل الرئيس‪.‬‬      ‫إن «توماس إديسون» كان‬
       ‫بمعنی‪ :‬هل القوانين‬          ‫ذلك لأن التركيز الفكري‬       ‫معتا ًدا على تدوين كل فكرة‬
‫الصارمة‪ ،‬والنظريات العلمية‬        ‫يتطلب عدم تشتت الذهن‬
                                                                  ‫تطرأ على ذهنه‪ ،‬مهما بدا‬
   ‫بنظامها المنطقي هي التي‬       ‫باحتفاظه بأفكار تكمن على‬       ‫من تفاهتها وقت ظهورها‪.‬‬
     ‫تحكم هذا العالم حک ًما‬                 ‫حافة الشعور‪.‬‬
   ‫تا ًّما‪ ،‬بحيث يكون كل من‬                                         ‫ولقد استخدم الشعراء‬
    ‫فيه خاض ًعا لهما مأمو ًرا‬      ‫‪ -3‬المصادفة‬                  ‫والموسيقيون بدورهم هذه‬
 ‫بأمرهما؟ أم هناك دور مهم‬                                        ‫الوسيلة كثي ًرا‪ ،‬ويتجلى في‬
  ‫تقوم به المصادفة في نظام‬      ‫ثمة حقيقة لا بد من ذكرها‪،‬‬      ‫مذكرات «ليوناردو دفنشي»‬
                                ‫وهي تطبيع النظرية العلمية‬
            ‫هذا العالم؟(‪.)25‬‬                                      ‫مثل حي لاستخدامها في‬
  ‫هناك رأي ينادي أصحابه‬              ‫بطابع المنطق‪ ،‬حيث إن‬        ‫الفنون‪ .‬ولما كانت الأفكار‬
                                 ‫المنطق يسيطر على النظرية‬
    ‫«بأن الجدران الخارجية‬        ‫العلمية من ألفها إلى يائها‪،‬‬       ‫التي تأتي المرء في نومه‬
  ‫لقلعة المنطق تبدو كالبنيان‬   ‫وقد يجوز لنا مع شيوع هذه‬              ‫معرضة بوجه خاص‬
‫المرصوص كعهدنا به دائ ًما‪،‬‬     ‫السمة وبروز هذا الطابع أن‬
  ‫ولكن في مركز هذه القلعة‬         ‫نتساءل‪ ،‬أليس في النظرية‬        ‫للنسيان‪ ،‬فإن بعض علماء‬
‫الحصينة من التفكير المنطقي‬                                       ‫النفس والعلماء يحتفظون‬
‫نجد كل شيء يسير على غير‬            ‫العلمية شيء سوى ذلك‬         ‫بجوارهم دائ ًما بورقة وقلم؛‬
                                ‫النظام المنطقي القاسي؟ ألم‬     ‫وهذه الطريقة تفيد أي ًضا في‬
                  ‫هدى(‪.)26‬‬       ‫تمثل المصادفة ‪Accident‬‬          ‫اقتناص الأفكار التي تأتي‬
 ‫هناك بالفعل ظواهر تخضع‬                                          ‫قبل الذهاب للنوم أو أثناء‬
‫لهذه المصادفة‪ ،‬ظواهر تنتج‬         ‫‪-‬مث ًل‪ -‬دو ًرا في التوصل‬    ‫الاستلقاء في الفراش صبا ًحا‪.‬‬
                                                               ‫وينبغي تدوين الأفكار التي‬
                                                               ‫تأتي كثي ًرا عندما تظهر عند‬
                                                                 ‫حافة الوعي أثناء القراءة‪،‬‬
                                                               ‫أو الكتابة‪ ،‬أو أي عمل ذهني‬
                                                              ‫آخر لا تستحب فيه المقاطعة‪،‬‬
                                                                 ‫ويجري ذلك بأسرع وقت‬
                                                                  ‫ممكن وبطريقة تقريبية‪.‬‬
                                                               ‫وهذا لا يحفظها من الضياع‬
                                                                 ‫فحسب‪ ،‬بل يفيد كذلك في‬
   182   183   184   185   186   187   188   189   190   191   192