Page 189 - merit 38 feb 2022
P. 189

‫الملف الثقـافي ‪1 8 7‬‬

‫فيليب فرانك‬  ‫فيرنر هايزنبرج‬  ‫فون ميرنج‬                       ‫قل الضغط‪ ،‬والغاز مؤلف‬
                                                           ‫من عدد هائل من الجزيئات‬
  ‫النهائي للقوانين العلمية‪،‬‬      ‫ثورية مستحدثة‪ ،‬تدعم‬
  ‫ومن ثم الحتمية المطلقة‪،‬‬     ‫بها النظرية العلمية نفسها‬      ‫في اضطراب مستمر‪ ،‬وقد‬
                             ‫وتخلص بها مما كان يعوق‬        ‫أمكن البرهنة على أن قانون‬
    ‫فمث ًل‪ ،‬يلزم عن نظرية‬
    ‫الكوانتم وخاصة مبدأ‬           ‫تطورها(‪ ،)34‬وقد توجد‬        ‫«بویل» و»ماريوت» إن‬
  ‫«اللاتحديد» أنه لا يمكن‬    ‫المصادفة في الطبيعة وجو ًدا‬    ‫هو إلا نتيجة لازمة‪ ،‬لتحكم‬
 ‫التنبؤ بصورة دقيقة بكل‬       ‫وتحق ًقا موضوعيًّا‪ ،‬وتوجد‬
‫ما سوف يحدث للإلكترون‬                                          ‫المصادفة تحك ًما تا ًّما في‬
   ‫داخل الذرة من حركات‬          ‫في الفيزياء اليوم أسا ًسا‬      ‫حركات هذه الجزيئات‪،‬‬
 ‫وإشعاع وتغير مواضعه‪،‬‬          ‫ترتكز عليه في مواجهاتها‬          ‫فالانتظام الظاهري في‬
  ‫كما ترى هذه النظرية أن‬      ‫العلمية الجديدة‪ ،‬وتوجد في‬       ‫مجموع هذا العدد الهائل‬
   ‫هناك حوادث في الكون‬         ‫المنهج العلمي خرو ًجا على‬   ‫من الجزيئات نتيجة لانعدام‬
‫تحدث صدفة‪ .‬ومن الجدير‬          ‫قاعدة التحديد الميكانیکی‬     ‫النظام في حركة كل جزيء‬
‫بالذكر أن ما يحدث صدفة‬
  ‫أول الأمر ثم يصبح هذا‬                ‫الفردي والتحليل‬                   ‫على حده(‪.)31‬‬
   ‫الحدوث مطر ًدا‪ ،‬فيدعو‬                   ‫الانعزالي(‪.)35‬‬        ‫من واقع هذه الأمثلة‬
   ‫إلى اكتشاف القانون أو‬                                    ‫وغيرها(*)‪ ،‬نصل إلى الدور‬
    ‫اختراع النظرية‪ ،‬أو أن‬          ‫كان للحتمية أي ًضا في‬     ‫المهم الذي تمثله المصادفة‬
 ‫كل شيء يخضع للقوانين‬        ‫نظريات الفيزياء الكلاسيكية‬         ‫في الاكتشافات العلمية‬
 ‫أول الأمر‪ ،‬لكن تنشأ بين‬                                     ‫وفي حياتنا اليومية‪ ،‬وهذا‬
‫حين وآخر حوادث تخضع‬                ‫السيادة المطلقة‪ ،‬حيث‬      ‫يدل بصورة واضحة على‬
      ‫لقوانين بعينها‪ ،‬فتتم‬      ‫كان يظن أن كل الظواهر‬        ‫أن المنطق وحده لا يكفي‪،‬‬
                              ‫كبيرها وصغيرها تحكمها‬              ‫لأن أغلب الاكتشافات‬
                               ‫قوانين صارمة(‪ .)36‬إلا أن‬     ‫البيولوجية والطبية قد عثر‬
                              ‫اكتشافات القرن العشرين‬       ‫عليها على غير توقع‪ ،‬أو كان‬
                                ‫العلمية قضت على اليقين‬       ‫فيها على الأقل عنصر من‬
                                                           ‫عناصر المصادفة‪ ،‬وبخاصة‬
                                                           ‫الاكتشافات الانقلابية المهمة‬
                                                               ‫والثورية(‪ ،)32‬أو بمعنى‬
                                                              ‫آخر‪ ،‬أصبح بالإمكان أن‬
                                                              ‫نرى كيفية تحكم قوانين‬
                                                               ‫المصادفة ونظرياتها في‬
                                                              ‫مجال واسع من تجارب‬
                                                                   ‫الإنسان في الطبيعة‬

                                                                        ‫والمجتمع(‪.)33‬‬
                                                             ‫لكن المصادفة لا تتعارض‬
                                                            ‫مع الانتظام والدورية‪ ،‬ولا‬
                                                           ‫تخالف السببية والضرورة‪،‬‬
                                                             ‫وإن كانت تجعل للانتظام‬

                                                                 ‫والسببية والضرورة‬
                                                                ‫مدلولات جديدة وقي ًما‬
   184   185   186   187   188   189   190   191   192   193   194