Page 65 - merit 38 feb 2022
P. 65

‫‪63‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫شعــر‬

                                 ‫سالم الشبانه‬

                   ‫حفريات في الريح‬

             ‫عقارب ميتة‬                                          ‫أبواب‬

    ‫نقيس أيامنا بالضياء والظل‪ ،‬لا نملك ساعات‬       ‫لا أحمل مفتا ًحا في جيبي أو في ع َّلقة مفاتيح‪ ،‬على‬
‫تلتف حول معاصمنا‪ ،‬فلا حاجة بنا لعقارب تلدغ‬         ‫رغم أنني أملك ع َّلقة فضية أنيقة أهدتها لي امرأة‬
                                                  ‫جميلة تحبني‪ .‬دائ ًما ما أضيع المفاتيح التي أحملها‪،‬‬
   ‫قلوبنا‪ ،‬كنا نخاف من عقارب الرمل والحيطان‬         ‫أو أنساها‪ :‬علي المقهى‪ ،‬في سيارات الأجرة‪ ،‬أو في‬
     ‫الطينية‪ ،‬فلم نعلق ساعة تذكرنا بأن أعمارنا‬      ‫العمل‪ .‬عشت في بيت بلا باب‪ ،‬ولا مفاتيح؛ سوى‬
                                                   ‫أجولة من الكتان تخاط وتعلق بمسمارين في حلق‬
   ‫تركض خلف عقاربها‪ ،‬زماننا العضوي نقيسه‬          ‫الباب العلوي‪ ،‬فماذا نصنع بمفاتيح بلا أبواب تغلق‬
     ‫بظلالنا النحيلة تحت الشمس‪ ،‬وخيالنا الذي‬      ‫على لا شيء! أنا رجل بلا أدراج‪ ،‬ولا أبواب ليغلقها‬
                ‫يرافقنا تحت ضوء قمر شاحب‪.‬‬
                                                                                   ‫في وجه الآخر‪.‬‬
 ‫للصباح تحية‪ ،‬للضحى وجوهنا في ظل الجدران‬           ‫لا أحب الأبواب المغلقة‪ ،‬الجدران العالية بلا مبرر‪،‬‬
  ‫والكلام‪ ،‬للظهر قيلولة تحت الأشجار العالية في‬   ‫وأجراس الأبواب المزعجة كصراخ الفئران المذعورة؛‬

    ‫أي بيت‪ ،‬للعصر تحية‪ ،‬حين نطارد العصافير‬               ‫عندما كنا ندخل بيتا نصفق بأيدينا وننادي‬
  ‫والحمام البري بالفخاخ‪ ،‬وللمغرب كائناته التي‬     ‫بأصواتنا التي تصلنا بمن نزورهم‪ ،‬يكون الصوت‬

     ‫تطلع من الظلام‪ ،‬نتحلق على الأرض الرملية‬           ‫الإنساني هو المصافحة الأولى‪ .‬أتوجس المدن‪،‬‬
 ‫نمضغ الخبز والبيض المشوي في النار‪ ،‬ونشرب‬        ‫المباني التي تعلو في الفضاء كالخوازيق‪ ،‬وتنغلق على‬

          ‫لبن العنز التي نحلبها بمهارة كالكبار‪.‬‬     ‫التوجس والخوف من الآخر‪ ،‬أرهب السلالم التي‬
  ‫يربكني الزمن الميكانيكي‪ ،‬لم أحمل ساعة حول‬      ‫تصعد وتنزل‪ ،‬والمصاعد التي تقتات الهواء الشحيح‪.‬‬

      ‫معصمي‪ ،‬ولا على جدار بيتي‪ ،‬أقيس الوقت‬         ‫كانت بيوتنا مفتوحة علي السماء‪ ،‬والأرض الرملية‬
     ‫بحركة النهار والليل اللذين يشبهان جرذين‬          ‫صي ًفا وشتا ًء‪ ،‬العنزة تشاركنا وصغارها النوم‬
     ‫هائلين يقضمان فرع العمر فوق فوهة بئر‪،‬‬
‫أستطيع أن أتماهى مع أمثولة الجرذين وأتخيلهما‬        ‫في الغرفة خو ًفا عليهم من البرد‪ ،‬فنتسلى في الليل‬
‫في حركتهما الدائبة التي قرأتها في كتاب عن البئر‬    ‫الطويل بثغاء الجديان والسخلات الصغيرة‪ .‬كيف‬
  ‫والجرذين والفرع وخلية النحيل والحية في قاع‬
   ‫البئر‪ ،‬لكنني أتوجس من العقارب الصماء التي‬          ‫لرجل مثلى أن يحمل مفتا ًحا ليغلق الأبواب علي‬
                                                                                           ‫رئتيه!‬
                             ‫بلا روح حيوانية‪.‬‬
   60   61   62   63   64   65   66   67   68   69   70