Page 27 - merit 52
P. 27

‫‪25‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

 ‫وأعجز تما ًما عن تفسير ما كنا نعيشه‪ ،‬فعندما أقول‬   ‫الثانية‪ .‬وتفر ُض هذه السلطة العائلية‪ ،‬قواعد سلوكية‬
     ‫له‪ :‬لم تكن هناك لعب للأطفال‪ ،‬يسألني‪ :‬وبماذا‬     ‫وأخلاقية ودينية مطلقة‪ ،‬على الإناث مقارنة بالذكور‬
                                                    ‫إلى حد مصادرة حقوقهن في الحب والزواج‪ .‬كما هو‬
‫تلعبون (‪ ،)..‬أقول له‪ :‬ألعب الكرة‪ ،‬ولكن الكرة ليست‬   ‫الشأن مع زوليخا الأخت الكبرى للأعرج‪ ،‬لقوله على‬
‫لي وحدي (‪ )..‬إن الكرة ملك لأولاد المحلة»(‪ .)15‬فضيق‬
                                                       ‫لسانها‪« :‬إبراهيما المسكين لم يكن لي ولم أكن له‪.‬‬
     ‫المجال عرقل نمو النزعة الفردية‪ ،‬وقدامة الأثاث‬  ‫أو ًل لأصله الذي صفعوني به للوجه‪ .‬كان لونه أول‬
    ‫وعموميته أسهما في إعادة إنتاج المنظومة القيمية‬    ‫مبرر للرفض»(‪ ،)14‬فالعلاقة بين الفردي والجماعي‬
 ‫السائدة‪ .‬غير أن هذه العلاقة بين الفردي والجماعي‬
‫لم تسلم من الضيق والضجر والتمرد‪ ،‬الذي عبر عنه‬             ‫في البيت العائلي هي علاقة عمودية‪ ،‬تستند إلى‬
   ‫يوسف الشقيق الأكبر لجبرا‪ ،‬حينما ترك المدرسة‬      ‫سلطة الأب أو الأم‪ .‬وتكرس منظومة القيم الجماعية‬
‫بحثًا عن عمل يساعد العائلة في توفير حاجياتها‪« :‬في‬    ‫التقليدية‪ ،‬التي يفرضها الذكور على الإناث‪ ،‬والكبار‬
‫خريف عام ‪ 1928‬تمرد أخي يوسف (‪ )..‬وأخذ يتعلم‬         ‫على الصغار‪ ،‬والآباء على الأبناء‪ .‬فضيق البيت العائلي‬
   ‫النجارة»(‪ .)16‬وعبرت عنه رغبة المُترجمين لذواتهم‬
  ‫في الهجرة‪ ،‬طلبًا للعمل‪ ،‬لمساعدة عائلاتهم‪ ،‬وتحقيق‬      ‫فرض تضيي ًقا على حرية الفرد‪ ،‬وانتهك حقوقه‪،‬‬
                                                        ‫وقلص من إحساسه بالاختلاف والتميز‪ ،‬وجعله‬
                                        ‫ذواتهم‪.‬‬      ‫مماث ًل للجماعي في المشاعر والسلوك والتصورات‪.‬‬
 ‫تحضر المدينة عامة‪ ،‬من خلال مؤسساتها التعليمية‬        ‫ثم إن تواضع الأثاث وقدامته‪ ،‬وبساطته واشتراك‬
 ‫والثقافية والدينية والاقتصادية والصحية والأمنية‪،‬‬      ‫الجماعي في امتلاكه والتصرف فيه‪ ،‬قد أسهم إلى‬
                                                     ‫حد بعيد‪ ،‬في ضمور الذات الفردية‪ ،‬ووأد إحساسها‬
   ‫وساحاتها العامة وأسواقها وشوارعها‪ ،‬ل ُتعبر عن‬      ‫بفرديتها‪ ،‬الذي تستمده من أشيائها الخاصة التي‬
   ‫أنها مسرح الأحداث الحاضن للعلاقة بين الفردي‬      ‫تمتلكها في البيت العائلي‪ ،‬كالغرفة الخاصة‪ ،‬والسرير‬
                                                     ‫الخاص‪ ،‬واللعب الخاصة المعبرة عن ميولات الطفل‬
     ‫والجماعي‪ .‬ذلك أن المؤسسة التعليمية‪ ،‬بمختلف‬      ‫واستعداداته الفردية‪ .‬وهذا ما عبر عنه عبد الرحمن‬
    ‫مستوياتها هي الفضاء المُعبر‪ ،‬عن حيوية العلاقة‬      ‫مجيد الربيعي‪ ،‬حينما سأله ولده سومر عن لعبه‬
    ‫وتميزها بين الطرفين‪ ،‬حيث يلتقي المترجم لذاته‬         ‫الخاصة‪ ،‬عندما كان طف ًل في مثل سنه‪« :‬مرات‬
   ‫بزملائه و ُمدرسيه‪ ،‬لتلقي العلم والمعرفة‪ ،‬ولصقل‬   ‫يسألني ولدي سومر عن لعبي عندما كنت في عمره‪.‬‬
     ‫موهبته الأدبية والفنية‪ ،‬واكتساب قيمه الفردية‬
 ‫الخاصة‪ ،‬وتأكيد تميزه‪ .‬ف ُيقر جبرا بفضل المُدرسين‬
  ‫عليه‪ ،‬وما زال يذكر أسماءهم المحفورة في ذاكرته‪،‬‬
    ‫ويعترف لهم بالفضل في صلابة تكوينه اللغوي‪،‬‬
   ‫وخاصة معلم‬
   ‫العربية جبور‬
‫عبود بدليل قوله‪:‬‬
  ‫«لقد علمني من‬
   ‫قواعد اللغة في‬
  ‫سنتين أو أكثر‬
     ‫بقليل‪ ،‬ما لم‬
   ‫أتعلم من أحد‬
  ‫سواه‪ ،‬وما بقي‬
    ‫أساسيًّا حتى‬
  ‫اليوم في تعاملي‬
   ‫مع الكتابة»(‪)17‬‬
  ‫وبمتانة تكوينه‬
   22   23   24   25   26   27   28   29   30   31   32