Page 12 - Nn
P. 12

‫العـدد ‪35‬‬   ‫‪10‬‬

                                                   ‫نوفمبر ‪٢٠٢1‬‬

   ‫رأى بالضبط سيارة الميكروباص وهي تقفز من‬              ‫لقد انشغلت النخب في تصفية الحسابات‪ ،‬وفي‬
  ‫فوق الكوبري‪ ،‬ولا أحد رآها وهي تسقط في مياه‬         ‫الصراعات على العظام التي تلقى لها‪ ،‬وعلى «المجد‬
   ‫نهر النيل‪ ،‬ولا أحد يمكنه أن يحدد لونها أو عدد‬    ‫والخلود والحظوة»‪ .‬لقد تم إفقار النخب وتهميشها‬
   ‫ركابها‪ .‬وعلى الرغم من ذلك كانوا كلهم متأكدين‬
 ‫من أنها سيارة ميكروباص بها خمسة عشر راكبًا‬            ‫واحتقارها وحرمانها من حقوقها‪ ،‬ومن ثم كان‬
   ‫إضافة إلى السائق‪ .‬بل وواثقون تما ًما بما تردده‬  ‫تدجينها سه ًل وبسي ًطا‪ .‬ومن لم يتم تدجينه‪ ،‬فقد تم‬
                                                   ‫تهميشه وتعطيله وربما عقابه بطرق أخرى‪ .‬إن دور‬
      ‫وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام‬
 ‫وقنوات التلفزيون الفضائية والأرضية والناس في‬          ‫النخب يزداد صعوبة في أوقات المحن والأزمات‬
                                                          ‫و»الفتن» السياسية والاجتماعية والعقائدية‪.‬‬
   ‫الشوارع بأن السيارة حطمت سور الكوبري في‬
 ‫البداية‪ ،‬ثم قفزت وطارت وحلقت حتى وصلت إلى‬             ‫وفي الوقت نفسه تتضاعف مسؤولية النخب في‬
                                                     ‫أوقات الفساد السياسي العام واستفحال طاعون‬
   ‫المياه واختفت في لحظة واحدة من دون حتى أن‬         ‫الانتهازية والقمع والاستبداد وتحويل المجتمعات‬
‫تصدر تلك البقاليل التي تصدرها عادة الأشياء التي‬      ‫لقطعان من الغنم‪ .‬إن ما تبقى من النخب الحقيقية‬
                                                      ‫إما مسجون‪ ،‬أو يجلس في بيته من دون عمل‪ ،‬أو‬
  ‫تغرق في المياه أو الأشخاص الذين يجري تنشيط‬
     ‫ذاكرتهم في أقسام الشرطة والسجون وأماكن‬             ‫مشغول بقضايا هامشية تما ًما‪ ،‬أو يتم تهديده‬
                               ‫التوقيف السرية‪.‬‬       ‫بأولاده أو بحياته‪ .‬بينما الفراغ الذي يتم تمجيده‬
     ‫وكانت وسائل الإعلام مزدحمة بشكل عجيب‬
                                                         ‫وتكريسه واستمراره من أجل توالد الأفاقين‬
‫بالروايات التي تتردد طول الوقت على لسان شهود‬        ‫وأشباه المثقفين وحثالة الإعلاميين والفنانين يدمر‬
    ‫العيان الذين سمعوا من أشخاص يثقون فيهم‪،‬‬        ‫روح مصر‪ ،‬وينزع عن المجتمع آخر دروع حمايته‪.‬‬
    ‫أو رأوا صو ًرا على الفيسبووك وتويتر تؤكد ما‬
     ‫يقولونه‪ .‬بينما كانت الهيئات والأجهزة الأمنية‬           ‫ميكروباص الساحل‬

  ‫تحاول طمأنة المواطنين بأن هناك أوناش ضخمة‬            ‫تم تداول موضوع سقوط ميكروباص من فوق‬
  ‫ورافعات هائلة الضخامة تبحث جميعها في أعمق‬          ‫كوبري الساحل في نهر النيل بشكل واسع لدرجة‬
‫أعماق نهر النيل لانتشال السيارة الميكروباص التي‬       ‫أن وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام‬
‫كانت تقل خمسة عشر راكبًا إضافة إلى السائق‪ .‬في‬
 ‫حين تصدر بيانات رسمية من وزارة الداخلية بأن‬               ‫والمواقع الإلكترونية والفضائيات ومحطات‬
 ‫كاميرات المراقبة لم ترصد أي سيارة ميكروباص‪،‬‬           ‫التليفزيون الأرضية وسائقي سيارات التاكسي‬
 ‫لكن كاميرا واحدة فقط استطاعت أن ترصد جس ًما‬          ‫وركاب المواصلات العامة ورواد المقاهي تحدثوا‬
    ‫أبيض اللون كان يسير على الكوبري ثم اختفى‪.‬‬       ‫بشراسة وثقة ويقين حول ما سمعوه أو رأوه من‬
‫نفى قائد سيارة ملاكي وقوع أي حادث بالأساس‪،‬‬           ‫تفاصيل تتعلق بحادثة اختفاء سيارة ميكروباص‬
  ‫مستن ًدا إلى مشاهدته لحظة اصطدام مركبة «توك‬        ‫بها حوالي خمسة عشر راكبًا‪ ،‬إضافة إلى السائق‪،‬‬
‫توك» بالسور الحديدي في الواحدة من صباح اليوم‬       ‫حيث حطمت سور كوبري الساحل وقفزت إلى مياه‬
‫الذي سبق الإعلان عن الحادث‪ .‬أي قبل الإبلاغ عن‬         ‫نهر النيل‪ ،‬واختفت تما ًما في لحظة واحدة‪ .‬كانت‬
‫الحادث بنحو ‪ 13‬ساعة‪ .‬وخرج شخص ثان برواية‬           ‫هناك سيارات على الكوبري‪ ،‬وكان هناك مشاة فوق‬
                                                    ‫الكوبري‪ ،‬وكان هناك أشخاص غامضون بنظارات‬
    ‫قريبة من الرواية السابقة أشار فيها إلى وقوع‬    ‫سوداء يقرأون الصحف تحت الكوبري‪ ،‬وكان هناك‬
‫حادث تصادم بين دراجتين قبل يومين من الإبلاغ‬          ‫صيادون بطول الجزء الممتد تحت الكوبري‪ ،‬وكان‬
 ‫عن الحادث ما نتج عنها إصابة شخصين‪ .‬وأفادت‬           ‫هناك أطفال شوارع تحت الكوبري‪ ،‬وكانت هناك‬
                                                        ‫كائنات غريبة بثياب أكثر غرابة وكأنها تعاطت‬
  ‫رواية ثالثة جاءت على لسان ربة منزل قالت إنها‬     ‫مخدرات العالم كله تنام تحت الكوبري‪ .‬لكن لا أحد‬
‫مرت بموقع الحادث في السابعة صبا ًحا وكان هناك‬

   ‫زجاج سيارة محطم ومنثور على الكوبري وجزء‬
   7   8   9   10   11   12   13   14   15   16   17