Page 174 - Nn
P. 174

‫العـدد ‪35‬‬                            ‫‪172‬‬

                                ‫نوفمبر ‪٢٠٢1‬‬                           ‫من عيار موت الوزير‬
                                                                  ‫المختار‪ ،‬التي تمزج التهكم‬
       ‫حيث استقبله كل من‬        ‫البطولية‪ ،‬والمضجرة في نفس‬         ‫والفكاهة بشعرنة التاريخ‪،‬‬
    ‫وزير الشؤون الخارجية‬           ‫الآن‪ ،‬لإعادة بناء قرطاجة‬     ‫كانت قد كتبت في عز المرحلة‬
     ‫«نيسلرود»‪ ،‬وأصدقاؤه‬            ‫التي قام بها «فلوبير» في‬      ‫الستالينية‪ .‬ولا ِمراء في أن‬
                                                                   ‫الرواية ركزت على انتقاد‬
      ‫ال ُك َتّاب‪ ،‬وحتى القيصر‬   ‫روايته التاريخية(‪ .)9‬غير أنه‬      ‫لاذع لكل من نظام الحكم‬
‫«نيكولا الأول» نفسه‪ .‬احتفى‬      ‫كان على وعي تام بأهمية هذا‬
                                                                     ‫القيصري الاستبدادي‪،‬‬
    ‫الجميع بـ»غريبو ْيدزف»‪،‬‬       ‫العمل [الروائي التاريخي]‪.‬‬      ‫وكذا النظام الاجتماع القائم‬
    ‫وأقاموا مأدبة عشاء على‬       ‫تتأسس «الرواية التاريخية»‬       ‫[آنذاك]‪ ،‬غير أن هذا الانتقاد‬
     ‫شرفه‪ ،‬واستشاروه [في‬        ‫على الوعي بالواقع‪ ،‬وفي نفس‬      ‫سيتراجع لصالح الحب الذي‬
  ‫شؤون عدة]؛ لقد كان رجل‬          ‫الوقت الهروب منه؛ بل إنها‬
                                                                   ‫يكنه الكاتب لشخصياته‪،‬‬
                   ‫الساعة‪.‬‬         ‫تسمو به‪ .‬لذلك فهي ُتبطن‬            ‫حتى في اللحظات التي‬
‫كانت الصفحات المئتين الأولى‬     ‫من خلال غموضها التأثيرات‬
‫بمثابة وصف باهر للحياة في‬                                         ‫يسخر فيها منها‪ ،‬ولصالح‬
 ‫«بطرسبورغ» بكل حكاياتها‬             ‫القوية للشعر‪ .‬فالرواية‬      ‫حبه للماضي الذي لا ينماز‬
                                    ‫التاريخية حقيقة وشعر‪،‬‬
    ‫وفضائحها‪ ،‬وذلك عشية‬         ‫ويتبدى هذا واض ًحا في رواية‬        ‫البتة عن حبه لبلاده‪ .‬فلا‬
    ‫انتفاضة الديسمبريين(‪)13‬‬        ‫موت الوزير المختار حيث‬        ‫مجال لل ِّدعاية في هذا المقام؛‬
     ‫التي عرفت سف ًكا مهو ًل‬      ‫يتخذ الوصف واستحضار‬
 ‫للدماء‪« .‬غريبو ْيدوف» نفسه‬     ‫الشخصيات والأمكنة‪ ،‬أحيا ًنا‪،‬‬        ‫ذلك أن الاهتمام ينصب‬
  ‫كانت له روابط بالجماعات‬       ‫الشكل الحر لقصيدة قصيرة‬            ‫هنا على الشخصيات‪ ،‬على‬
   ‫السرية التي دعت إلى أول‬          ‫(مثلما نجد ذلك في بعض‬          ‫ُحمقها وجرائمها‪ ،‬وبدون‬
 ‫تمرد ليبرالي عرفته روسيا‪،‬‬         ‫مقاطع الدكتور زيفاجو(‪)10‬‬      ‫التواطؤ العميق للروائي مع‬
  ‫وذلك خلال فترة الأسابيع‬             ‫حيث الشاعر‪ ‬والروائي‬           ‫شخصياته؛ كيفما كانت‪:‬‬
     ‫الثلاثة التي فصلت بين‬                                      ‫محبوبة أو غير محبوبة‪ ،‬فلا‬
    ‫موت [القيصر] «ألكسندر‬                 ‫يتبادلان الأدوار)‪.‬‬       ‫وجود لعمل روائي رفيع‬
                                   ‫ومثلما اتخذ «أراغون» في‬
      ‫الأول»‪ ،‬وتولي «نيكولا‬        ‫[روايته] الأسبوع المقدس‬                        ‫المستوى‪.‬‬
    ‫الثاني»‪ .‬وقبل ذلك‪ ،‬كانت‬                                      ‫تصطف رواية موت الوزير‬
    ‫مسرحية «غريبو ْيدوف»‬             ‫الرسام «جيريكو» بط ًل‬
‫الكوميدية ذو العقل يشقى(‪)14‬‬       ‫رئي ًسا‪ ،‬فكذلك «تينيانوف»‬            ‫المختار جنبا إلى جنب‬
    ‫قد طالها منع الرقابة‪ ،‬أما‬                                      ‫روايات من قبيل‪ :‬الحرب‬
   ‫أصدقاؤه فمنهم من أعدم‬                ‫الذي اختار أن يبعث‬        ‫الكارلية لـ»فال إنكلان»(‪،)6‬‬
                                       ‫من التاريخ شخصية‬            ‫وموت فرجيل لـ»هرمان‬
     ‫ومنهم من كان مصيره‬           ‫«ألكسندر غريبو ْيدوف»(‪)11‬؛‬    ‫بروخ»(‪ ،)7‬والأسبوع المقدس‬
     ‫السجن‪ .‬لقد كان محا ًطا‬         ‫كاتب ومسرحي معاصر‬            ‫لـ»أراغون»(‪)8‬؛ حيث يتح َّور‬
‫بالخونة‪ .‬كان «غريبو ْيدوف»‬      ‫لـ»بوشكين»(‪ ،)12‬ودبلوماسي‬         ‫التاريخ‪ ،‬الذي ُيتعامل معه‬
    ‫متضاي ًقا بشدة من نفاق‬              ‫سيلقى حتفه في سن‬         ‫بحرية‪ ،‬عبر وساطة الشعر‪.‬‬
   ‫رجال الأدب وغطرستهم‪،‬‬             ‫الثالثة والثلاثين بطهران‬
  ‫وكان يكره أولئك «المخنثين‬         ‫في خضم عصيان شعبي‬                  ‫لقد اختار [تينيانوف]‬
   ‫المتأنقين المتكبرين‪ ،‬ويكره‬   ‫عارم‪ .‬يقدم لنا [«تينيانوف»]‬     ‫موضو ًعا قريبًا من شخصه‪،‬‬
  ‫طرائق تفكيرهم و[حتى] ما‬        ‫«غريبو ْيدوف» لحظة عودته‬
    ‫يلبسونه»‪ .‬لذلك فإ ْن كان‬         ‫إلى «سان بطرسبورغ»‪،‬‬            ‫وقاد ًرا على فهم حيثياته‬
    ‫يبدو منخر ًطا في كوميديا‬      ‫حام ًل معاهدة السلام التي‬         ‫العميقة؛ وذلك عوض أن‬
                                      ‫تم توقيعها مع ال ُف ْرس؛‬
                                                                     ‫يلقي بنفسه في العملية‬
   169   170   171   172   173   174   175   176   177   178   179