Page 43 - Nn
P. 43

‫‪41‬‬           ‫إبداع ومبدعون‬

             ‫رؤى نقدية‬

                                                                          ‫المحاكمات الكنسية في إسبانيا‪،‬‬

                                                                          ‫وعادة ما يكون القبح بفعل قوى‬

                                                                          ‫خارجية ضد الطبيعة والحياة‬

                                                                          ‫وليس نتيجة العشوائية وغياب‬

                                                                          ‫الوعي‪.‬‬

                                                                          ‫فما يقدمه الفيلم من واقع‬

                                                                          ‫لا يختلف عما يقدمه مطربو‬

                                                                          ‫المهرجانات من تكريس للقبح‬

                                                                          ‫والعشوائية في السلوك‪ ،‬يخبرها‬

                                                                          ‫الرجل الميسور الحال أنه يحبها‬

                                                                          ‫منذ زمن ولكننا لم ن َر أو نلمح ما‬
                                                                          ‫يمهد لذلك‪ ،‬حتى عندما قدمت له‬

                                                                          ‫طبق الجاتوه في عيد ميلاد ابنها‬

                                                                          ‫لم يرفع نظارة الشمس كي يراها‬

                                                                          ‫أو يتفحصها‪ ،‬فجأة بمجرد اختفاء‬
                                                                            ‫زوجها‪ ،‬أصبحت مح ًل لشهوته‪.‬‬
‫محمود حميدة‬  ‫عاطف الطيب‬                                       ‫خيري بشارة‬  ‫بعد تحول الزوج إلى دجاجة تواجه‬

‫نجح هؤلاء الممثلون في نقل مشاعر الشخوص أم لا‪،‬‬                 ‫الزوجة واقع عدم وجود مصدر للدخل‪ ،‬ظلت دون‬
             ‫وقد فعلها قب ًل فيتوريو دي سيكا في فيلمه «سارق‬
                                                              ‫مبادرات طوال الفيلم وانتقلت من سيطرة الزوج إلى‬
‫الدراجة» (‪ )1948‬بهدف إضفاء الواقعية ونقل مشاعر‬
                                                                          ‫سيطرة ذكورية جمعية‪.‬‬
‫وأحاسيس الشخوص‪ .‬وقد نجح دي سيكا ومن تبعوه‬
                                                              ‫الفيلم ليس عن الفقر والجوع‪ ،‬فحتى الدجاجة تأكل‬
‫في السينما العالمية في ذلك‪ ،‬حتى أن المشاهد يعتقد أنهم‬
                                                              ‫ويتم شراء دواء لعلاجها‪ ،‬والطفل لديه لبن يشربه‪،‬‬
‫ممثلون محترفون‪ ،‬ولا يعني كونهم شخو ًصا حقيقية‬
             ‫ألا يتم توجيهم وضبط أدائهم وف ًقا لرؤية المخرج‪.‬‬  ‫لا يدعو الفيلم للتعاطف مع الفقراء‪ ،‬ولا يدعو الفقراء‬
             ‫وبطلة الفيلم أو مؤدية الشخصية الرئيسية‪ ،‬سيدة‬       ‫للثورة على أحوالهم‪ ،‬ولا يقدم لهم وعيًا بدي ًل لما هم‬
                                                              ‫فيه من قذارة وغبار وعوادم‪ ،‬هو فقط يرصد في رتابة‬
‫فاضلة ولكن لا علاقة لها بالتمثيل وهذا طبيعي‪ ،‬ولكن‬
                                                              ‫وملل ويقدم عوالم مصطنعة وليست عوالم فنتازية‪،‬‬
             ‫فلا يوجد قسم شرطه بهذا القبح أو الفقر أو القذارة‪ ،‬غير الطبيعي ألا يتم تدريبها وتوجيهها‪ ،‬فالسيدة‬
             ‫شغلت حي ًزا في الكادر‪ ،‬لكنها لم تملأ أي فراغ في‬
             ‫الصورة‪ ،‬فهي لم تمثل أو حتى تتصرف بشكل‬                        ‫وكذا الحال لكل الأماكن التي يتحرك فيها‪.‬‬

             ‫طبيعي يتناسب مع اختفاء زوجها‪ ،‬ووجهها طوال‬        ‫يتجلى التكرار في مشهد تبادل النقود‪ ،‬وهي نقود‬

                                                              ‫قديمة مهترأة‪ ،‬ولكنها لم تفقد قيمتها لأنها محور‬
‫بحث الزوجة من أجل العيش‪ ،‬ورغم تكرار المشهد إلا الوقت متكلس‪ ،‬متخشب‪ ،‬وجه حاد خال من المشاعر‬
  ‫والانفعال بل إنها لم تظهر اندها ًشا‪ ،‬فر ًحا مكتو ًما‪،‬‬
‫قل ًقا‪ ،‬دهش ًة لتحول زوجها لدجاجة‪ ،‬لن أقول صرا ًخا‬            ‫أنه يمكن تأويله في أن ما يتبادله شخوص هذا العالم‬
              ‫وشجا ًرا مع الساحر‪ ،‬إنها سيدة بليدة الإحساس‪،‬‬      ‫هو النقود المهترئة فقط‪ ،‬ولا يوجد تبادل للمشاعر‬
             ‫وتولت الاندهاش والصياح جارة نيابة عنها‪ ،‬تذهب‬
                                                              ‫الإنسانية‪ ،‬فأين الجديد والفتح في هذه المعالجة التي‬
                                                               ‫لا يوجد بها تصاعد درامي‪ ،‬بل تكرار بطيء لعدم‬

‫إلى القسم كي تبلغ عن الساحر‪ ،‬وعندما يطلب منها أن‬              ‫الكفاءة‪ ،‬ولمشاهد معاناة الزوجة الجاهلة‪ ،‬التي لا‬

‫تصلح للعمل سوى بالنظافة التي لم تهتم بها في بيتها‪ .‬تكتب أوصافه‪ ،‬تقول «معرفش»‪ ،‬ومن يبرر هذا الأداء‬

             ‫بانسحاق شخصية الزوجة بسبب قهر زوجها لها‪،‬‬         ‫وقد جسد شخوص الفيلم ممثلين غير محترفين‪،‬‬

             ‫وهذا في حد ذاته ليس ميزة أو عيبًا‪ ،‬المهم النتيجة‪ ،‬هل عليه أن يدلنا على مشهد تغيرت فيه ملامحها‪.‬‬
   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47   48