Page 199 - m
P. 199

‫‪197‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

     ‫وعن منطق تفكيرهم في‬            ‫المتعة مرهونة بما تحققه‬    ‫الإنسان في الاستحواذ التقني‬
     ‫الحياة ومفهومهم عنها‪.‬‬       ‫من مكاسب للرأسمالية‪ ،‬عبر‬         ‫كلما زادت سعادته‪ .‬وبناء‬
 ‫والنتيجة أن الذات تسبح في‬                                         ‫عليه فإن الإنسان ‪-‬وف ًقا‬
‫عالم لا محدود من التداعيات‪،‬‬         ‫ما تحققه أنت من تحقيق‬           ‫لإيديولوجيا الاستهلاك‬
     ‫ليصبح وجودها منزوع‬         ‫رغبات أنتجتها لك الرأسمالية‬       ‫الرأسمالية تلك‪ -‬مجموعة‬
  ‫الفاعلية الاجتماعية‪ ،‬متخليًا‬                                    ‫من الرغبات غير المتناهية‪،‬‬
‫عن كل قيمة‪ ،‬تلك القيمة التي‬        ‫بنفسها‪ .‬لذلك تسعي بكل‬             ‫وعلينا أن نسعى دائ ًما‬
‫تحولت إلى شيء مادي بحت‬            ‫جهد ومثابرة وإصرار على‬
  ‫على طريق الرأسمالية التي‬       ‫تحويل كل البشر إلى كائنات‬     ‫لتوسيع مداركه الاستهلاكية‬
   ‫دمجت من خلال فلسفات‬            ‫مستهلكة بأقصى طاقة لها‬       ‫باستمرار‪ ،‬بد ًءا من مساحيق‬
   ‫المنفعة بين الخير الأسمى‬        ‫على الاستهلاك‪ ،‬حتى أنها‬     ‫التجميل وحتى أجيال أجهزة‬
     ‫والرغبات‪ ،‬والذي حدث‬
   ‫أن التملك صار هو القيمة‬          ‫في أحيان كثيرة تبدع في‬          ‫المحمول التي تتطور كل‬
‫الأكثر اعترا ًفا‪ ،‬ومن ثم تحول‬      ‫إنتاج أدوات استهلاكية لم‬         ‫يوم‪ ،‬تلك التي لم تتغير‬
    ‫التملك إلى الخير في ذاته‪.‬‬   ‫تخطر على بال بشر من قبل‪،‬‬            ‫وظيفتها الرئيسة كأداة‬
   ‫ومن هنا‪ ،‬يتحول الإنسان‬        ‫فالمسافة بين الجيلين‪ ،‬الآباء‬    ‫تواصل منذ سنوات‪ ،‬ولكن‬
     ‫من كائن تحكمه مشاعر‬         ‫والأبناء‪ ،‬تتسع لتصبح أكبر‬        ‫شركات الإنتاج تلعب على‬
    ‫وأحاسيس شديدة العمق‬         ‫من تلك السنوات التي تفصل‬           ‫تفاصيل صغيرة ودقيقة‬
   ‫والإبهام‪ ،‬إلى كائن يتشكل‬       ‫بينهما بفعل تطور الأدوات‬           ‫تجعلك في حاجة دائمة‬
    ‫من مجموعة من الرغبات‬           ‫الاستهلاكية‪ ،‬إلى درجة أن‬         ‫لتغيير جهازك الجوال‪..‬‬
    ‫والاحتياجات الاجتماعية‬         ‫يشعر فيها الآباء بغربتهم‬          ‫وهكذا‪ .‬وبالتالي تصبح‬
   ‫والفسيولوجية والنفسية‪،‬‬       ‫الحقيقية عن معارف أبنائهم‪،‬‬
 ‫وعلى الرأسمالية السعي إلى‬
   ‫تلبية تلك الاحتياجات‪ ،‬بل‬
  ‫وتغذيتها بالرغبة المستمرة‬

      ‫وبالمزيد من الاحتياج‪،‬‬
    ‫حتى صار البشر يلهثون‬

       ‫وراء هذا الخيال الذي‬
  ‫تنتجه المؤسسات الصناعية‬
 ‫والتكنولوجية‪ ،‬خيال السعي‬

    ‫نحو تحقيق السعادة عبر‬
  ‫تلبية الرغبة‪ ،‬مما يسهم في‬
   ‫تضخيم السلوك الحيواني‬
   ‫داخل الإنسان‪ ،‬فكل شيء‬
  ‫صار سلعة بامتياز‪ .‬وليس‬
 ‫لدينا دليل حاسم على هيمنة‬
 ‫روح الإيديولوجيا على عالمنا‬
‫المعاصر أكثر من دليل تفريغ‬

        ‫القيمة من محتواها‪.‬‬
   194   195   196   197   198   199   200   201   202   203   204