Page 195 - m
P. 195
193 الملف الثقـافي
لم تتأسس بناء على تراكم أنفسهم -كما كافة بقاع الحاكمة ،وخلق جسور
حداثي بقدر ما انطلقت من
مفهوم القطيعة المعرفية مع العالم -في القلب منها، تواصل بين الفرد وتلك
كل ما سبقها ،في تخ ٍّل تام
عن المقولة النظرية التقليدية. مستخدمين ومستهلكين الإيديولوجيا ،من أجل تسييد
فهي «إيديولوجيا» من حيث
إنها مشروع يدعو لتصور لها ،ينسجون من خلالها نمط حضاري واحد عبر نوع
معين عن الوجود والحياة
نظريتهم في المعرفة ،والقيمة، جديد من الاستعمار ،وهو
وطرق ممارستها ،وتنتج
وعيًا ما يؤطر مساحات والتصورات والمفاهيم. ما أُطلق عليه «الاستعمار
الرؤية الإنسانية لكافة
الفاعليات ،وهي «ناعمة» -1ما الإيديولوجيا السيبراني» ،حيث يتسم
بمعني أنها تتخلل العقل بالقدرة علي النفاذ في
والوجدان ،بدون استخدام الناعمة؟
الوسائل التقليدية التي كانت خلايا المجتمع ،وإعادة
تقوم بها الإيديولوجيات
السابقة ،فتخترق أنسجة نقصد بالإيديولوجيا الناعمة تنظيم العلاقات الاجتماعية
الوعي بهدوء شديد ،وصبر :Soft Ideologyمجموعة وتوظيفها لصالحه ،خاصة
وبساطة ،حتى كاد البعض التشكيلات الاجتماعية التي
أن ينكر أي دور إيديولوجي طفرت على سطح الحياة على الصعيدين الثقافي
لمجتمع المعلومات هذا ،من الإنسانية في الخمسين سنة والاقتصادي.
فرط صورته الحيادية التي الأخيرة ،مستلهمة معارفها
وثقافتها وفي هذا المقال سأحاول
يبدو عليها. البحث في تلك الحالة
أما عن دورها الوظيفي
فيقوم على إعادة تشكيل الجديدة ،التي وجد العرب
الجغرافيا ،فالدولة ليست
وتقاليدها
سوي محلات لإقامة مما تقدمه
الأجساد ،فيما أصبحت
الروح تأتلف مع ما ومن تكنولوجياـــــة والقيم الانسانية
يتوافق معها من أي مكان في
العالم ،فصرنا أمام نوعين الاتصال،
من الجغرافيا ،الجغرافيا
المكانية ،والجغرافية النفسية، بحيث
والأخيرة هي التي تنشئ
مجتمعات قد تتكون من يصح القول بأننا في قلب
عدة أفراد أو مجموعات،
تجمعهم وحدة المواطنة مجتمع جديد ،هو مجتمع
النفسية ،سواء من خلال
الفكر الثقافي أو الاهتمام المعلوماتية .وقد استطاعت
تلك التشكيلات المتداخلة
بشكل شبكي فيما بينها،
أن تدعم منظور جديد للقيم
الإنسانية ،تعلي من -بل
وتعيد تعريف -قيم الحرية
والفردانية والذاتية المطلقة
والنفعية والمتعة ..إلخ على
حساب روح الجماعة ومنطق
التاريخ الرأسي ،ودور
الخبرة في الحياة.
إن الإيديولوجيا الناعمة هي
النسخة الأخيرة في التجليات
الإيديولوجية للرأسمالية،
ولكنها في حضورها هذا