Page 190 - m
P. 190

‫العـدد ‪55‬‬                              ‫‪188‬‬

                                ‫يوليو ‪٢٠٢3‬‬                        ‫إلى المكتب الذي كان أطول‬
                                                                  ‫مما ظنته عندما دخلت‪ .‬لقد‬
    ‫لا تتعدى ساكنته خم ًسا‬           ‫ورقيقتان بشكل جذاب‪،‬‬        ‫كان في الحقيقة مكتبًا جماعيًّا‬
    ‫وعشرين ألف نسمة؛ هل‬           ‫ممدودتان ناحية الصدغين‬
    ‫يبدو الأمر طبيعيًّا؟ هناك‬   ‫تحت حاجبين طويلين» يبدو‬              ‫مخص ًصا لثلاثة رجال‬
     ‫المزيد‪ ،‬غير أننا لا ننتقل‬                                  ‫شرطة يجلسون نها ًرا‪ ،‬وقت‬
 ‫لمعاينة الموتى الآخرين لأنهم‬        ‫له الآن وص ًفا أكثر دقة‪.‬‬   ‫الدوام‪ ،‬جنبًا إلى جنب‪ .‬كانت‬
‫قضوا بشكل طبيعي‪ ..‬ولكن‪،‬‬         ‫ولكن‪ ،‬هل يمكن أن ُند ِّون هذا‬
 ‫لماذا تزوجت أحمق مثل هذا‪.‬‬                                        ‫الجدران مطلية بلون أزرق‬
 ‫بنبرة لائمة‪ ،‬قال هذه الجملة‬              ‫على بطاقة شرطة؟‬           ‫سماوي‪ ،‬ألواح الأساس‬
   ‫الأخيرة وهو يلتفت إليها‪.‬‬            ‫نهض «بونتواز»‪ .‬كان‬              ‫وردية‪ ،‬بينما السقف‬
                                  ‫أشقر شبي ًها ببهلوان مختل‬
         ‫أنزلت المرأة عينيها‪:‬‬         ‫الأطراف‪ ،‬في الخامسة‬         ‫[الجبصي] أبيض اللون‪ .‬في‬
 ‫‪ -‬التقيته ذات نهاية أسبوع‬         ‫والثلاثين من عمره‪ ،‬سار‬       ‫الطرف القصي‪ ،‬انتصب باب‬
  ‫متم يناير في مونتبورغ(‪،)3‬‬          ‫يعرج بقدم مخدرة [من‬         ‫صغير زجاجي ومسيج‪ .‬لم‬
  ‫في قاعة رقص شاندلور(‪،)4‬‬           ‫الجلوس] إلى النافذة ذات‬
 ‫حيث قدمتني له صديقة من‬         ‫القضبان الحديدية المطلة على‬        ‫ينفك الشرطي عن متابعة‬
                                                                               ‫نظرة المرأة‪.‬‬
    ‫صديقاتي‪ ،‬رغم أني كنت‬                           ‫الشارع‪.‬‬
                   ‫متمنعة‪..‬‬        ‫أدارت المرأة رأسها يسا ًرا‬       ‫‪ -‬إنه الباب الذي يسمح‬
                                   ‫لتتابعه ببصرها‪ .‬على ظهر‬               ‫بالدخول إلى ساحة‬
  ‫امتلأ جفنا السيدة بالدموع‬        ‫زيه الرسمي كتبت [كلمة]‬
   ‫حد التورم‪ ،‬مشوشة بذلك‬           ‫«شرطة» بحروف مكبرة‪.‬‬               ‫المفوضية‪ ،‬وإلى زنازين‬
 ‫رؤية الحقيبة الصغيرة التي‬           ‫كان الشرطي يراقب من‬          ‫الاعتقال الاحتياطي‪ .‬وهنا‪،‬‬
‫أراحتها على ركبتيها‪ ،‬حتى أن‬      ‫خلال النافذة الأنوار المنبعثة‬
‫خطوطها المتقاطعة ازدوجت‪،‬‬          ‫من الأحياء [القريبة]‪ ،‬والتي‬         ‫تبًّا‪ ..‬أتعلمين أن الحظ‬
   ‫بل تعددت بسبب عبراتها‬            ‫تنعكس على أشجار دلب‬             ‫يخاصمني؛ ففي كل مرة‬
 ‫المتهاطلة‪ .‬كانت ترى مثلثات‬       ‫منهكة من عدم قدرتها على‬          ‫أكون فيها مداو ًما‪ ،‬تسقط‬
  ‫خضراء‪ ،‬وصفراء‪ ،‬وزرقاء‬
  ‫ترتعد مثل َع َلم أنهكه المطر‬               ‫الخلود للراحة‪.‬‬             ‫المصائب على رأسي‪،‬‬
                                ‫‪ -‬أترين‪ ،‬كنت أنتظر منتصف‬           ‫ومصيبتي هذه الليلة هي‬
                   ‫والريح‪.‬‬
                                  ‫الليل وكلي أمل بألا أستقبل‬                         ‫أنت‪..‬‬
         ‫‪VII‬‬                       ‫أية زيارة‪ .‬أنتظر منتصف‬          ‫عبرت المرأة عن سرورها‬
                                   ‫الليل حتى أستطيع اللحاق‬       ‫بهذا الثناء بتكشير شفتيها‪،‬‬
  ‫كانت في الثانية والعشرين‬          ‫بآخر ترامواي لأعود إلى‬        ‫قبل أن تلاحظ على المكتب‪،‬‬
   ‫من عمرها‪ ،‬وكانت ترتدي‬            ‫منزلي من أجل نيل قسط‬        ‫قبالتها‪ ،‬بطاقة صغيرة قرأت‬
‫فستا ًنا أصفر بزوائد رفرافة‪،‬‬     ‫من الراحة حتى يوم الاثنين‬      ‫فيها‪« :‬الملازم جيل بونتواز»‪.‬‬
  ‫مستندة على مشرب صغير‬             ‫[المقبل]؛ فقد كان أسبوعي‬         ‫رفعت عينيها الشاحبتين‬
‫مصنوع من فورميكا خضراء‬
  ‫وحمراء‪ .‬كانت تضع أنبوب‬                            ‫مره ًقا‪.‬‬           ‫ناحية عيني الشرطي‬
‫مص في قنينة مشروب فانتا؛‬            ‫عندما يتكلم‪ ،‬يبدو وكأن‬        ‫الذي كان أي ًضا يتفرس في‬
‫حيث كانت ترتشف مشروب‬               ‫حصيات تسبح في مجرى‬             ‫ملامحها‪ .‬عندما دخلت [إلى‬
   ‫الفاكهة [هذا] وهي تشاهد‬                                        ‫المكتب]‪ ،‬كان [الشرطي] قد‬
‫الناس يرقصون تحت الخيمة‬                              ‫حلقه‪.‬‬
                                  ‫‪ -‬حسنًا‪ ،‬ما رأيك في سبعة‬           ‫سجل على بطاقة تعرف‬
                                   ‫قتلى أو ثمانية أسبوعيًّا في‬   ‫«عينان سوداوان»؛ أما الآن‬
                                                                  ‫فيبدو له هذا الوصف غير‬
                                     ‫تجمع [سكاني] مثل هذا‬        ‫كا ٍف‪ .‬لذلك فوصف «عينان‬
                                                                ‫سوداوان واسعتان‪ ،‬جميلتان‬
   185   186   187   188   189   190   191   192   193   194   195