Page 185 - m
P. 185

‫حول العالم ‪1 8 3‬‬

                 ‫الأحداث‪..‬‬      ‫الأمر انتحا ًرا‪ .‬لكن‪ ،‬هذا غير‬       ‫الطويلين تحملهما [جفون]‬
                                    ‫صحيح؛ ذلك أنني قمت‬             ‫مقوسة‪ .‬كان شعره الأشقر‬
         ‫‪III‬‬
                                  ‫بدفعه من الطابق الحادي‬              ‫القصير المجعد ممشو ًطا‬
 ‫بشكل انسيابي‪ ،‬انزاح طرفا‬                           ‫عشر‪.‬‬               ‫ناحية الخلف‪ .‬أما حول‬
‫الباب الزجاجي الكبير عندما‬                                          ‫فك اللاحم‪ ،‬فقد نبتت لحية‬
                                     ‫خيَّم على المكتب صمت‬           ‫امتدت إلى عقدة ربطة عنقه‬
   ‫اقترب منه شخص يترنح‬              ‫مهيب؛ حتى أنه لم يكن‬          ‫داكنة اللون‪ .‬على طرفي فكيه‪،‬‬
‫وهو يغادر رواق المستشفى‪.‬‬         ‫يسمع سوى صوت رقاص‬                ‫لمعت شعيرات وكأنها لفائف‬
                                ‫الساعة الحائطية التي أعلنت‬         ‫متوهجة‪ .‬يبرز شعره أي ًضا‬
     ‫وجد «جيمي» نفسه في‬        ‫الساعة التاسعة مسا ًء بأرقام‬       ‫بكثافة من خلال كمي سترته‬
‫الشارع المحاذي للبحر‪ ،‬أمام‬     ‫رومانية‪ .‬انتشر في جو المكتب‬           ‫ذات اللون الأزرق الداكن؛‬
                                    ‫المظلم شذا عطر زهري‪،‬‬                ‫حتى أنه يجتاح كحمم‬
     ‫حي «الزودياك»‪ .‬وضع‬        ‫فض ًل عن رائحة حادة [تذكر‬          ‫بركانية ذهبية اللون رسغيه‪،‬‬
   ‫يده على درابزين السلالم‬      ‫بروائح] حجرات التمريض‪.‬‬               ‫ويغطي كفيه الضخمتين‪،‬‬
  ‫الرخامية البيضاء‪ ،‬ثم طفق‬     ‫انبعث صوت أجش من خلف‬                 ‫ويمتد إلى سلامياته وحتى‬
   ‫في النزول‪ ،‬غير أنه انزلق‬
    ‫على إحداها؛ فلحقه شاب‬                   ‫الأوراق يسأل‪:‬‬                         ‫إلى مخالبه‪.‬‬
   ‫كان يصعد السلالم عينها‬         ‫‪ -‬ولماذا أخطأت الشرطة؟‬            ‫كانت المرأة تهلوس؛ بحيث‬
                               ‫ابتلعت المرأة ريقها من جديد‪.‬‬         ‫تصورته بمثابة ذئب يلبس‬
         ‫وأمسكه من دراعه‪:‬‬         ‫‪ -‬لقد كان «جيمي» زو ًجا‬          ‫الزي الرسمي‪ ،‬يتربص بين‬
‫‪ -‬حاذر يا سيدي‪ ،‬ستسقط!‬             ‫عني ًفا ومكتئبًا‪ ،‬قام مرا ًرا‬   ‫أوراق الأشجار تحت ضوء‬
                               ‫بعدة محاولات انتحار‪ .‬عشية‬           ‫القمر‪ .‬ارتجفت لهذه الفكرة؛‬
  ‫تمتم «جيمي» متذم ًرا وهو‬        ‫اليوم الذي كنت سـ‪ ..‬قام‬
   ‫يمشي حانيًا جبهته بكآبة‬         ‫مجد ًدا بإحدى محاولاته؛‬            ‫حتى أنها شعرت ببعض‬
‫بمحاذاة جدار معمل للتعليب‬      ‫فقد ابتلع أقراص دواء جعلته‬               ‫الخوف‪َ .‬ب ْيد أنها لامت‬
  ‫مشيد بطوب أحمر صغير‪،‬‬          ‫يقضي الليل في مستعجلات‬
                                                                     ‫نفسها بالنظر إلى أنها هي‬
      ‫تفوح منه روائح زيت‬               ‫المستشفى البحري‪..‬‬           ‫التي اتخذت قرارها بانتعال‬
  ‫ساخن‪ .‬كان في الأربعينات‬      ‫في هذه الأثناء سمع الشرطي‬
‫من عمره‪ ،‬نحي ًل وأصلع قبل‬                                             ‫حذاء رجالي‪ ،‬والانتصاب‬
   ‫الأوان‪ .‬كان يرتدي سترة‬           ‫صوت اصطكاك الثنيات‬            ‫أمامه واقفة وكأنها تضع [في‬
                                ‫الصغيرة للسيدة التي كانت‬
    ‫خلِقة من جلد الأيل بلون‬                                         ‫قدميها] قبقا ًبا صغي ًرا‪ .‬إنها‬
 ‫سكري‪ ،‬وسروا ًل فضفا ًضا‬             ‫ترتعد رعبًا‪ ،‬ثم تابعت‪:‬‬         ‫تعلم سبب قدومها إلى هذا‬
   ‫ذا لون رمادي داكن‪ ،‬أثناء‬        ‫‪ -‬كان من الضروري في‬            ‫المكان؛ أما الشرطي فلا يزال‬
‫التفافه حول مقهى حانة «لو‬          ‫هذه الحالة أن يمكث [في‬
                                ‫المستشفى] بضعة أيام تحت‬                        ‫يجهل السبب‪.‬‬
             ‫غران فرتيج»‪.‬‬           ‫الملاحظة‪ ،‬لكنه في اليوم‬                       ‫‪ -‬سيدتي؟‬
    ‫في ما مضى‪ ،‬كان حذاؤه‬           ‫الموالي طلب توقيع وثيقة‬
 ‫الرياضي الذي ينتعله [الآن]‬       ‫إخلاء مسؤولية‪ ،‬ثم غادر‪.‬‬              ‫ابتلعت قلي ًل من ريقها‪،‬‬
  ‫أبيض اللون‪ .‬حمله مصعد‬        ‫وبينما تزفر المرأة عدة مرات‪،‬‬           ‫وبشجاعة نادرة انطلقت‬
    ‫عطن الرائحة نحو طابق‬            ‫كان الشرطي في مقعده‬
 ‫[الشقة]‪ ،‬أدار المفتاح في قفل‬  ‫تواريه بعض الورود‪ُ ،‬يصغي‬                                ‫تقول‪:‬‬
     ‫باب طافح بآثار ركلات‬          ‫إلى تتمة القصة‪ ،‬ويعيش‬            ‫‪ -‬منذ عدة سنوات‪ ،‬جاءت‬
‫أقدام‪ .‬غير أنه أبان‪ ،‬من خلف‬                                         ‫الشرطة إلى منزلي من أجل‬
 ‫إطار نظارته الطبية الكبيرة‪،‬‬                                          ‫التحقيق في وفاة زوجي‪،‬‬

                                                                        ‫وقد خلصوا إلى اعتبار‬
   180   181   182   183   184   185   186   187   188   189   190