Page 184 - m
P. 184

‫العـدد ‪55‬‬                              ‫‪182‬‬

                               ‫يوليو ‪٢٠٢3‬‬                           ‫على حافة ممر للراجلين‬
                                                                ‫تح ِّدق في عمارة تنتصب في‬
     ‫سنوات عمرها‪ ،‬طرازها‬         ‫أزهار البرتقال‪ -‬نحو المرأة‬      ‫الطرف الآخر من الشارع‪.‬‬
                   ‫أوروبي‪.‬‬      ‫على الرصيف‪ .‬كانت الزوجة‬         ‫كانت بناية طويلة من ثلاثة‬
                                                                 ‫طوابق‪ ،‬مطلية بصباغة هي‬
      ‫تف َّرس فيها من الأمام‪:‬‬       ‫أقرب ما يكون إلى دمية‬
    ‫عينان سوداوان‪ /‬عظمتا‬          ‫تجلس في علبة بلاستيكية‬            ‫مزيج من لوني القشدة‬
 ‫وجنتيها مرتفعتان‪ /‬شفتان‬          ‫شفافة‪ .‬في خلفية السيارة‬         ‫والرمال‪ .‬وبالرغم من أن‬
  ‫ممتلئتان‪ /‬ندبة على ذقنها‪.‬‬       ‫نلمح كلب بوليكس يحرك‬             ‫البناية لم تكن ذات طراز‬
     ‫أحست المرأة بالانزعاج‬       ‫[ ُيمنة و ُيسرة] رأسه المثبت‬    ‫معروف‪ ،‬إلا أنها كانت مع‬
   ‫بسبب نظرات [الشرطي]‪،‬‬        ‫بواسطة نابض داخل جسده‪.‬‬          ‫ذلك معاصرة‪ .‬كانت نوافذها‬
      ‫فأشاحت بوجهها‪ ..‬من‬       ‫مرت سيارة الأجرة‪ ،‬وعبرت‬         ‫العشرون المصفوفة بتناسب‪،‬‬
 ‫الجانب‪ :‬جبهة محدبة‪ /‬أنف‬        ‫المرأة ذات الحقيبة الصغيرة‬     ‫تسمح برؤية مكاتب مظلمة‪.‬‬
                                                                  ‫ولا ينبعث قبس من النور‬
        ‫شامخ‪ /‬رقبة نحيلة‪.‬‬                         ‫الشارع‪.‬‬           ‫إلا من الطابق الأرضي؛‬
 ‫خفض الشرطي عينيه ونظر‬                                             ‫حيث يظهر بصيص نور‬
                                        ‫‪II‬‬                      ‫على اليسار أخفت جز ًءا منه‬
   ‫إلى ُلبادة مكتبه ذات اللون‬                                   ‫قضبان [حديدية] متشابكة‪،‬‬
            ‫الأخضر الفاتح‪.‬‬       ‫خلف النافذة ذات القضبان‬       ‫وبالخصوص مصابيح نيون‬
                                 ‫[الحديدية] المتشابكة‪ ،‬هناك‬    ‫تسطع خلف الباب الزجاجي‬
‫‪ -‬ما الذي حدث لك سيدتي؟‬        ‫حيث يبدو بصيص نور قرب‬               ‫الذي يمكن أن نقرأ فوقه‬
      ‫كانت العتمة تجثم على‬       ‫مدخل [البناية]‪ ،‬كان ضابط‬
                                ‫شرطة بزيه الرسمي ينتظر‬                ‫« ُمف َّوض َيّة الشرطة»‪.‬‬
 ‫المكتب‪ ،‬حتى ليبدو كركن في‬       ‫في عتمة مكتبه عندما سمع‬       ‫صرفت المرأة وقتًا طوي ًل في‬
‫غابة‪ .‬لم يكن في الغرفة سوى‬
                                    ‫طرقات على بابه؛ فقال‪:‬‬              ‫تأمل هذه المفوضية‪.‬‬
   ‫مصباح مفصلي [متحرك]‬                           ‫‪ -‬ادخل!‬         ‫من الشارع الساحلي‪ ،‬هدر‬
       ‫ينير من خلال أشعته‬                                      ‫صوت سيارة أجرة تستخدم‬
                                 ‫فتحت السيدة الباب‪ .‬تطلَّع‬      ‫أضواءها الكاشفة الأمامية‪،‬‬
   ‫حاسو ًبا مطفأ قبالته باقة‬       ‫إليها الشرطي في البداية‬       ‫قبل أن تلتف بزاوية حادة‬
                 ‫ورد لامع‪.‬‬         ‫وهي تقف أمام الإضاءة‬
                                                                    ‫نحو البولفار‪ .‬صرخت‬
   ‫بحثت المرأة‪ ،‬التي كانت لا‬     ‫الساطعة لِباحة الاستقبال؛‬           ‫نوابض سيارة الأجرة‬
    ‫تزال واقفة‪[ ،‬بعينيها] عن‬     ‫فبدت له قامة تلبس معط ًفا‬      ‫محتج ًة عندما اهتزت لحظة‬
 ‫الشرطي خلف الورود؛ غير‬         ‫قصي ًرا وتنورة داكنة اللون‪،‬‬    ‫مرورها فوق مخفض سرعة‬
     ‫أنه بالنظر إلى الوضعية‬      ‫تحمل حقيبة بيسراها‪ .‬كان‬          ‫أرضي‪ .‬لذلك فقد ارتجت‬
                                 ‫شعرها ح ُّد كتفيها‪ ،‬ساقاها‬           ‫شابة بفستان العرس‬
        ‫العمودية والخفيضة‬      ‫النحيلتان اللتان غطى الضوء‬         ‫الأبيض‪ ،‬رفقة زوج ببذلة‬
   ‫للإضاءة‪ ،‬لم تتمكن سوى‬          ‫في الخلفية على ملامحهما‬       ‫سوداء‪ ،‬كانا يشغلان المقعد‬
‫من رؤية شعره الأشقر الذي‬        ‫تنتعلان حذاء رجاليًّا أسود‬     ‫الخلفي للسيارة‪ .‬ومن خلال‬
  ‫يلمع في الظلام مثل خيوط‬                                      ‫النافذة‪ ،‬التفتت الزوج الشابة‬
                                             ‫اللون بأربطة‪.‬‬        ‫‪-‬التي كانت تزين شعرها‬
                     ‫ذهب‪.‬‬         ‫أغلقت المرأة الباب خلفها؛‬       ‫بزهرة بنفسج وبتاج من‬
   ‫كان [شعره الأشقر] يبرز‬      ‫فتأملها الشرطي في هذه المرة‬
 ‫من خلال أذنيه المستقيمتين‬       ‫بعين خبير‪ :‬قامة متوسطة‪،‬‬
                                 ‫في الأربعينيات من عمرها‪،‬‬
       ‫بدون شحمتين‪ ،‬ومن‬             ‫بالكاد يفوق وزنها عدد‬
   ‫خلال فتحتي أنفه المدبب‪.‬‬
   ‫كما كان ينمو على جنبات‬
   ‫رقبته العريضة‪ ،‬حتى أنه‬

      ‫ينعتق من ياقة قميصه‬
 ‫سماوي اللون‪ .‬رمشا عينيه‬
   179   180   181   182   183   184   185   186   187   188   189