Page 196 - m
P. 196

‫التسلح والسيطرة على‬            ‫أصبح العالم بحجم كف اليد‪ ،‬من‬
    ‫الفضاء‪ ،‬واليوم الصراع‬       ‫خلاله نتفاعل وتكتسب ذواتنا وجو ًدا‬
    ‫التكنولوجي بين الصين‬
‫وأمريكا له أبعاد إيديولوجية‪،‬‬           ‫جدي ًدا‪ ،‬وتتحقق رغباتنا وتمتلئ‬
 ‫والحيلولة دون امتلاك دولة‬      ‫مشاعرنا بكافة الانفعالات الإنسانية‪،‬‬
   ‫عربية للسلاح النووي له‬
 ‫دوافع إيديولوجية أي ًضا في‬       ‫نقترب من بعضنا البعض‪ ،‬نتعاون‪،‬‬
   ‫حماية الكيان الصهيوني‪..‬‬     ‫ونتبادل الرؤي والأفكار‪ ،‬ولكن رغم كل‬

                       ‫إلخ‪.‬‬      ‫ذلك سنجد أشياء كثيرة تنسحب منا‪،‬‬
 ‫فيما اختلف الأمر جذر ًّيا في‬   ‫وكأن الروح تتخارج من الجسد‪ ،‬وكأن‬
‫المجتمعات المعاصرة ‪-‬مرحلة‬
                                 ‫المتعة لا تتحقق إلا في ذلك التخارج‬
     ‫الإيديولوجيا الناعمة أو‬   ‫الإرادي‪ ،‬بح ًثا عن روح اجتماعية جديدة‬
   ‫مجتمع المعلوماتية‪ -‬حيث‬
    ‫نجد التقسيم في المجتمع‬                 ‫صنعتها تكنولوجيا العصر‪..‬‬

       ‫التكنولوجي الاتصالي‬            ‫الإيديولوجيا الناعمة‪.‬‬   ‫بنوعيات معينة من الأغاني‪،‬‬
       ‫قد تراجع فيه المفهوم‬          ‫وتختلف الإيديولوجيا‬        ‫مثل جمهور فريق الأغاني‬
    ‫الكلاسيكي للعمل‪ ،‬ليقوم‬       ‫الناعمة عن التقليدية في أن‬   ‫الـ‪ BTS‬في كوريا الجنوبية‪،‬‬
 ‫على نوع جديد من التقسيم‪،‬‬        ‫التكنولوجيا نقلت الإنسان‬
  ‫وهو ثنائية المستهلك وغير‬          ‫من مرحلة الإيديولوجيا‬         ‫الذي ينتشر أنصاره في‬
    ‫المستهلك‪ ،‬والسعي حثيثًا‬     ‫الاجتماعية إلى الإيديولوجيا‬     ‫كل انحاء العالم‪ ،‬ويطلقون‬
 ‫لدخول أكبر عدد من البشر‬            ‫الفردية‪ .‬ومن هنا يمكن‬      ‫علي أنفسهم ‪ ،Army‬ومؤكد‬
   ‫في حيز المستهلكين‪ ،‬حيث‬      ‫تفسير‪ :‬لماذا صارت الليبرالية‬
   ‫تسابق المؤسسات والدول‬         ‫الكلاسيكية غير مرحب بها‬          ‫أن لهذه التسمية دلالات‬
‫والشركات الكبرى الزمن من‬         ‫بدرجة كافية لدي المفكرين‬         ‫تكشف عن مدى ارتباط‬
        ‫أجل أتمتة كل شيء‪.‬‬      ‫الغربيين الذين أصبحوا أكثر‬     ‫العقل المعاصر‪ ،‬وخاصة لدى‬
    ‫أي أن عصر التكنولوجيا‬         ‫حما ًسا لليبرالية الجديدة؟‬  ‫المراهقين‪ ،‬بتلك الإيديولوجيا‬
‫المتقدمة والمعلوماتية لم يحرر‬      ‫ومن هنا أي ًضا يجب فهم‬      ‫الناعمة التي تجمعهم تحت‬
    ‫الفرد‪ ،‬لم يدعم الفردانية‪،‬‬          ‫الصراع التكنولوجي‬            ‫سماء وحدة الجغرافيا‬
    ‫بقدر ما وضع الأفراد في‬     ‫باعتباره أحد ميادين الصراع‬         ‫النفسية أو المزاجية‪ .‬تلك‬
   ‫مصفوفة رياضية كبرى‪،‬‬          ‫الإيديولوجي‪ ،‬فالصراع بين‬      ‫الحالة المزاجية الموحدة كانت‬
    ‫على صعيد عالمي‪ ،‬ليست‬       ‫الاتحاد السوفييتي والولايات‬       ‫موجودة من قبل‪ ،‬خاصة‬
     ‫مصفوفة إنتاج فحسب‪،‬‬          ‫المتحدة في ثمانينيات القرن‬     ‫بعد الحرب العالمية الثانية‪،‬‬
  ‫تؤدي إلى تراكم رأس المال‬         ‫الماضي كان حول سباق‬         ‫مع تطور وسائل الاتصال‪،‬‬
  ‫في أيدي الأثرياء الجدد‪ ،‬بل‬                                  ‫ولكنها لم تتحول إلى ظاهرة‬
‫وفي إنتاج وعي عالمي موحد‪،‬‬                                          ‫بهذه الكثافة سوى مع‬
 ‫أو شبه موحد‪ ،‬لا يستهدف‬
     ‫الثورة على منطق إدارة‬
    ‫العالم‪ ،‬بقدر ما يستهدف‬
  ‫بناء وعي هامشي بالوقائع‬
   191   192   193   194   195   196   197   198   199   200   201