Page 110 - Baghdadiat-RightToLeft
P. 110

اما ماذا يفعل ابو ع ر في بغداد خلال 48 ساعة من شهر ايار لعام 1968 ، أي بعد شهرين فقط على الانتصار في معركة الكرامة، وقبل شهرين او اقل من اقصاء الرئيس العراقي عبد الرحمن عارف عن الحكم وتولي حزب البعث مقاليد الحكم، فسؤال شغلني وبحثت عن جوابه طويلا، فتهت كث ا ودخلت دروبا لا تتوفر فيها الاضاءة الكافية. يعود تاريخ اول زيارة قام بها ياسر عرفات الى بغداد الى العام 1961 ، يومها كان يحاول دمج تنظيم جبهة تحرير فلسط  التي شكلها الشيخ صالح عبد الله سرية في العراق
الى تنظيم فتح، تلت ذلك زيارات ولقاءات اخرى مع الشيخ، لإقناعه بهذا الانض م، وهو ما تحقق اخ ا ولكن بعد صدمة الشيخ من وقوع النكسة عام 1967.
كان الشيخ اللاجئ من قرية اجزم قد انتسب لتنظيم الاخوان المسلم  في العراق، ثم انخلع عنهم وشكل هذا التنظيم، فركز على استقطاب الكوادر العسكرية، متأثرا بأدبيات حزب التحرير الذي أسسه ابن قريته تقي الدين النبها ، ثم فتح باب العضوية في تنظيمه للمدني  متأثرا  سلكية التنظي ت الفلسطينية التي بدأت بالتوالد من حوله، ولاحقا حمل افكارا مختلطة من كل هذه التوجهات، وحرض على احداث الفرهود )عمليات السلب الج عي لأملاك اليهود في العراق( لتمويل تنظيمه، وبات داعيا للانقلاب على الحكومات العربية، ومحرضا على اغتيال قادتها، ادى ذلك الى اعتقاله لعام في العراق، والى ورود اسمه في مخطط انقلا  استهدف الاردن، والى محاكمته لاحقا في مصر
بتهمة التخطيط لاغتيال السادات عام 1974.
جاء في كتاب »قواعد الشيوخ مقاومة الاخوان المسلم  ضد المشروع الصهيو  1968 – 1970« للمؤلف غسان محمد دوعر ، ما نصه: »بعد هز ة الجيوش العربية في حزيران 1967 دعا صالح سرية كافة مسؤولي الجبهة في الدول العربية لمؤ ر عام انعقد في دمشق بداية عام 1968، كان اهم قرار لذلك المؤ ر اعادة تنشيط الحوار مع حركة فتح للنهوض بالعمل الفدا  من جديد، وبعدها اتصل صالح سرية بياسر عرفات، وتم دمج الجبهة بحركة فتح، وصار سرية عضوا في الدورة الرابعة للمجلس الوطني
الفلسطيني والتي عقدت منتصف شهر  وز عام 1968«.
وجاء في محاضر التحقيق مع الشيخ صالح في مصر بتهمة التخطيط لاسقاط نظام السادات واغتياله اواسط السبعينيات من القرن الماضي، والتي اوردها كتاب »موسوعة العنف في الحركات الاسلامية خمسون عاما من الدم«، للكاتب مختار نوح وهو محامي متخصص في قضايا الج عات الاسلامية، ما نصه من اعترافات الشيخ صالح: »خرجت من المعتقل عام 1964 وفي العام 1965 جاء ياسر عرفات وطلب مرة اخرى انض م جبهتنا لفتح فوافقت، شريطة ان ابقى بعيدا عن الميدان، وطلب مني ان ايسر له لقاءات مع المسؤول  العراقي ، وكان عبد السلام عارف قد قام بثورته وتولى الحكم، فنظمت له لقاء مع وزير الاعلام عبد الكريم فرحان والذي نصحه بعدم لقاء عبد السلام عارف
لأنه لا يُ ِك ُن ودا لمنظمة فتح بالذات، ويعتقد انها تعمل لصالح حلف السنتو )حلف بغداد(«.
بحسب هذه الاعترافات التي نشرتها الدوائر الامنية المصرية، كان صالح قد رفض بشدة محاولة ج عة الاخوان المسلم  قتل الرئيس العراقي احمد حسن البكر ، خلال خضوعه للعلاج في المستشفى حيث يعمل احد اعضاء الج عة ممرضا في طاقم علاج الرئيس البكر، ولكن الج عة حاولت ذلك وفشلت، فصار هو مطلوبا للأمن العراقي ولصدام حس  الذي كان نائبا للرئيس. بقية الاعترافات تشتمل على علاقة الشيخ بالإخوان المسلم  وبتشكيل مجموعة »شباب محمد« او »الفنية العسكرية« التي حاولت
تنفيذ عملية اغتيال السادات، وهي الاعترافات والاتهامات التي ادت الى اعدامه عام 1976.
هل التقى ياسر عرفات في زيارته تلك لبغداد بالشيخ صالح، لوضع اللمسات النهائية على انض م فصيله لحركة فتح؟ هل سعى من خلاله لتنظيم لقاءات جديدة مع القادة العراقي ؟ هل سلمه الدعوة للمشاركة كعضو في المجلس الوطني الفلسطيني الذي سيلتئم في القاهرة بعد اسابيع؟.
عن وصف العلاقة الفلسطينية العراقية في تلك الفترة، يتحدث صلاح خلف ابو اياد في كتابه »فلسطيني بلا هوية«: قامت وفود فتح بعقد لقاءات مع القيادات العربية لطلب تأييدها للعمل الفدا ، ويضيف: »كان العراقيون يتخبطون حتى ان رئيس الدولة العراقية عبد الرحمن عارف انهى محادثاته مع ممثلينا وهو يعلن: لسنا مع مشروعكم ولسنا ضده، وبصراحة فإننا لا ندري ماذا نقول فيه«. ايامها كانت هناك قوات عراقية ترابط في منطقة المفرق لكنها تلقت اوامر من الرئيس العراقي عبد الرحمن عارف،
بعدم المشاركة في معركة الكرامة، وانسحبت هذه القوات مع وقوع احداث ايلول المؤسفة، بأمر من الرئيس العراقي اللاحق احمد حسن البكر.
في حوار اجراه الاستاذ صخر ابو فخر مع محمد ابو ميزر، الذي خلع رداء البعث وانتمى لفتح بداية الستينيات، وضمن كتاب »الجذور والتراب: حوار عن القدس والمنفى والعودة الصعبة«، يقول ابو ميزر: »لا اعرف تفصيلات قصة الجيش العراقي في الاردن وانسحابه المستغرب اثناء حوادث ايلول 1970، لكنني اعلم ان قوات عراقية كانت موجودة منذ ايام الرئيس عبد الرحمن عارف في مدينة المفرق، يقودها اللواء محمود عريم، وكان نائبه العقيد حسن النقيب، وكان هناك اتفاق يقضي في حال وقوع أي عدوان اسرائيلي على الاغوار بأن تصل القوات العراقية فورا الى المكان لتشارك في المواجهة الى جانب قوات فتح، وفي ليلة 1968/3/20 ، أي عشية معركة الكرامة جاءنا خبر
من حسن النقيب بان الاوامر صدرت من بغداد بعدم المشاركة في المعارك«.
112


































































































   108   109   110   111   112