Page 114 - Baghdadiat-RightToLeft
P. 114
بعلو شاهق ورمزية لا تخفى على احد، اقام صدام حس في اواخر انينيات القرن الماضي هذه البناية وسط بغداد، لتطل من احدى جهتيها على الشعب في ساحة التحرير من الرصافة ومن الجهة الاخرى على منطقة قصوره في الكرخ والتي اصبحت في بعد )المنطقة الخضراء(. ازدهر المطعم التر فيها باطاييبه و ا يقدمه من مشروبات روحية وظل كذلك الى ان عقد صدام العزم ذات فلتة من فلتاته الكث ة على إطلاق حملة ا انية اواسط التسعينيات، فخرب المطعم ومن بعده البناية.
اطلقت القوات الامريكية الغازية قذيفتي دبابة على هذا المبنى، ليص رمزا اضافيا لثنائية الع ر والدمار. وما تلاها من إزهاق للارواح وتشريد للكفاءات وفساد اغرق البلاد والعباد. تسلقها طالب كلية الفنون الجميلة فرسم على الواجهة المطلة على المنطقة الخضراء عينا غاضبة مترصدة وكتب حولها اقدر اشوفك، ازعجتهم العبارة التحذيرية بل اخافتهم فهرعوا لمسحها.
رموز جواد سليم الموغلة في التاريخ، صارت عينا تنظر للمستقبل، زال طلاء رسمة الع ولكنها بقيت تراقب، فبعد سنوات اعتلى الشابات والشباب طوابق البناية، وسيطروا عليها ليمنعوا الامن من احتلالها ومهاجمة المتظاهرين منها، وليطلوا على فضاء الشعب المنتفض والسلطة المذعورة، كان اسمها بناية المطعم التر واصبح اسمها جبل احد. التوك توك يزدهر في العراق واصحابه يصبحون ابطالا اسطوري ، انهم مهندسو الاستراتيجيات ومنفذو التكتيكات التي يعتمدها الثوار في ساحة التحرير ، يوصلون الناس غ عابئ بالأجرة، ويتدخلون لإيصال الطعام الى اطراف الحشودات الج ه ية، ويخلون الجرحى من ساحات الاشتباك الى الاطراف الآمنة، وقد يُجبرون على نقلهم الى المشافي، ويتدخلون لإسعاف من اصابهم الغاز المدمع، يوزعون الطعام والماء البارد والمشروبات والك مات على المتظاهرين، يقوم احدهم بعمل جولة لمبعوثة ام عام الامم المتحدة في ساحة التحرير ب المتظاهرين، يزفون الشهداء في مواكب مهيبة، يُس ون القوافل لكسر قرارات منع التجول، يتعرضون للإصابة، وتتعرض مركباتهم ومصادر
ارزاقهم للعطب، فيتحولون الى متظاهرين عادي .
شباب ثوري متحمس، لا تزيد اع رهم على اواسط العشرينيات، يُس هم احساسهم بالظلم، وحبهم للمظلوم ، وتدفعهم نخوتهم الى إغاثة كل ذي حاجة، وتشحذ همتهم غ تهم العراقية الاصيلة، وتوقهم العالي لان يكونوا ابطالا في زمن عزت فيه البطولة. اعرف هؤلاء الشباب حق المعرفة، كنني ان افهمهم، كنني التنبؤ بردود افعالهم غ المتوقعة لدى الكث ين، يرقصون ك يكل جاكسون، ويحفظون مواويل رياض احمد، يتيهون غراما بأية شقراء، ويؤلفون لها القصائد، يبالغون في تقدير تقدم اليابان والغرب ثم يلعنون الذي اخترع اكياس شاي ليبتون، يبكون في الحسينيات، ويشعلون الشموع في الكنائس، يدبكون الجو بذات الاخلاص الذي يهزون فيه اكتافهم على لحن كردي، يرتدون ملابسهم على الموضة صباحا، ويقصون شعرهم وكأنهم في سان فرانسيسكو، ثم يرتدون دشاديشهم، وتراهم يشربون الشاي العراقي من صحن الاستكانة ويلعبون الطاولة ويتشاجرون، سيجمعهم دارمي لطيف يردون عليه بدارمي ألطف، ستُحرك اجسادهم اية هلهولة، ستوقظ ُكل حواسهم اية هوسة عراقية، ستجعلهم ينتشون نخوة،
يندفعون للميدان، يتسلقون جدران ص ء للوصول الى المحاصرين في اعالي بناية المطعم التر التي اصبحت جبل أحدهم.
ولأنهم من ط العراق ولان العراق لا ينسى طينه، فان الحب الذي ناله سائقو التوك توك هو حب عراقي خالص، يستحقونه عن جدارة، يقف شاعر بحضرتهم لإهدائهم قصيدة، يغني مطرب شه اغنية خاصة لهم، تس حاجة بينهم وتوزع عليهم بعض المال والكث من البركات، تقف صبية بينهم وتقول انها لا تريد زوجا إلا من اصحاب التكاتك، تتبرع سيدة بكامل ن توك كوك لشاب تعرضت مركبته للدمار، تصر احدى الامهات على صاحب التوك توك ان يتناول وجبة من وجبات الطعام التي توزعها على المتظاهرين، تقول فتاة عراقية انها تكن تشعر بالأمان خلال س ها في شوارع الا في هذه الايام حيث يسيطر قادة التكاتك على الميدان، ويغرد عراقي قائلا: انقذنا التوك
توك ح خذلتنا الدبابة.
قادة التكاتك يؤلفون مجتمعا ثوريا جديدا، يشبه القوة الضاربة والفتوة الطيبة والشقاوة الوطنية، مجتمع اهم ما يزه البعد عن الفذلكة الثورية، والس على الفطرة والسجية الوطنية الشعبية، وهي فطرة سليمة لا يشوهها الا السياسيون والطائفيون. ستظل انتفاضة العراقي في وجه الفساد والطائفية، صفحة مشرقة في تاريخ هذا البلد، رغم انها تنجح الى الآن في تحقيق اهدافها، وكذلك تنجح الانقلابات الدموية التي سادت في هذا البلد ولا حروبه المتكررة في تحقيق اهدافها.
من هذه المجلة تعرفت الى السيدة جوزف حداد والتي كانت اول سيدة عراقية تحصل على رخصة كاب طيار عام 1948. صورة الغلاف للعدد الاول من هذه المجلة، تحتفي بالرسامة العراقية سم ة الصراف، سم ة اليوم عادت لاسمها الاصلي سيم والذي يعني بالفارسية بريق الفضة، وتواصل العمل على مشروع لرسم المشاه عبر التاريخ، بعد ان حازت لقب رسامة الملوك والرؤساء.
116