Page 97 - Baghdadiat-RightToLeft
P. 97
بغداديات 62
كيف ا ا ن المقدسي الى بغداد؟ واين اختفى؟
ان اعيش كفلسطيني في بغداد، بأجواء مريحة نسبيا، وان يحرم من العيش فيها بذات المقدار من الراحة عراقي اجبرته السياسة على مغادرتها للمنفى، مفارقة تنبهت اليها مرارا، وكنت اطويها على عجل، غ انها ثارت بالأمس بقوة، وانا اتذكر شارع الكرادة الذي عشت فيه، في كان الراحل حميد الربيعي وآخرون ك يعيشون في المنفى. ان اعود الى وطني فاكتب عن العراق، شبيه بغربة حميد داخل وطنه ح عاد للعيش في هذا الشارع فاختار ان يكتب عن بغداد ولكن في زمن وفضاء آخر غ الذي يعيشه،
مستخدما التاريخ والاسطورة ورموز ازمان قد ة لعكسها على شخوص الحاضر.
»المدينة المدورة: مدينة إن تدخلها، كأنك تر الدنيا« هكذا يفتتح حميد روايته احمر خانة، وفيها مدينة بغداد موجودة بخارطتها السياحية ومعالمها الرئيسية: بوابات، ازقة، اقواس، ح مات، اسواق، و اثيل محمولة على شخوص اصحابها: علاء الدين على فانوسه، وشهريار وشهرزاد في رخام ثاليه ، وكهرمانة تسكب الزيت الحار على الجرار، وشخوص الماضي يقومون هام الحاضر، وبلغة الحاضر وبكل ما فيها من صفاقة، ابن الاث ، اهل الكهف وكلبهم لاوي ذيله، ابو النواس البرونزي محمولا بأيدي عامل
متكرش يعيد وضعه في مكانه، ليسترخي التمثال ويشرب العامل كاسه.
بشكل او بآخر المقارنة ب الفلسطيني اللاجئ الى العراق وما لكه من حظوظ، وما يحمله من افكار، وب عراقي لا لك من حظ سوى النجاة من حروب العقدين الاخ ين من القرن المنصرم، ولا يحمل من افكار سوى ما يقوده غربا على امل الخلاص من الديكتاتورية والحرب، هذه هي الفكرة التمهيدية التي احتلت الصفحات السبع الاولى من رواية الكاتب العراقي علي بدر »مصابيح اورشليم: رواية عن ادوارد سعيد«. قرأت الصفحات السبع الاولى، و استطع مواصلة قراءة ما جاء في الصفحات التالية وعددها 270 تقريبا، حصل معي اما ما توقعه الدكتور عادل الاسطة، والذي ح ّكم الرواية واعطاها علامة ممتازة وجعلها الثانية على 25 رواية تقدمت لمسابقة مؤسسة فلسط للثقافة عام 2009، يومها كتب الدكتور عادل: »مصابيح أورشليم« رواية جيدة، ولكنها رواية لنخبة النخبة. ولن يستطيع قراء كث ون فهمها واستيعابها، بل ومواصلة
قراءتها. الا اذا قرأ الكث من الروايات الاسرائيلية.
تعجبني آراء الدكتور الاسطة، ويعجبني حجم اشتغاله وانشغاله وفرادة المواضيع التي يطرحها وكذلك بعده عن اي حسابات مه كانت. علي بدر العراقي الذي يزر القدس، الا بعد عشر سنوات على الاقل من صدور روايته، يرسم بكل ته ادوارد سعيد في القدس، يرافقه يائيل وإيستر، وه من أبطال روايات إسرائيلية، حيث يقودانه في المدينة التي غ ت الكولونيالية معالمها، فأصبحت غريبة على ساكنها المحلي. إيستر ويائيل مولودان في إسرائيل، وحالمان بدولة لا تتحقق أبداً: يائيل المؤمن بدولة إسرائيل يفقد إ انه بسبب الحرب ثم يخون إيستر مع سائحة أمريكية، فتنهار حياة إيستر، وتجد أن كل شيء يحيط بها زائف، كل شيء في إسرائيل معرض للخلل والانهيار، وتخونه
ولكن ليس مع امري بل مع عر .
هذا التبسيط الروا ، المأخوذ من غلاف الرواية، والذي قد يراه البعض كاشفا، يأ محمولا على صفحات طوال تحتشد فيها وقائع س ة ادوارد سعيد الحقيقية وما هو متخيل خلال زيارته الحقيقية للقدس، حيث يحتدم النقاش مع الاسرائيلي، فيتم استخدام آراء وافكار ادوارد سعيد لتفنيد رواية الاحتلال. مهد الروا علي بدر لكتابة الرواية بجعل نفسه الراوي والصديق الوسيط الصامت ب طرفي نقيض: الفلسطيني ا ن المقدسي والعراقي علاء خليل.
كيف ا ا ن المقدسي الى بغداد؟ كانت الام ة عالية مع زوجها الوصي على عرش العراق عبد الاله في زيارة لفلسط ، تفقدا خلالها الجيش العراقي المرابط في جن ، والذي يستعد للانسحاب بعد هز ة النكبة، لاحظت فتاة منكسرة اسمها بهية، من ب الفلسطيني الذين لجأوا الى معسكر القوات العراقية، رق قلبها لها، ورجت زوجها ان يأخذ هؤلاء اللاجئ الى العراق ليكونوا ضيوفه وهكذا كان. كانوا فلاح يزرعون في القرى وتحولوا الى سكان مدينة واسعة جدا ومعقدة، فعاشوا بداية على هامشها الاجت عي، بحساسية مفرطة ورثها ا ن، الذي انجبته اللاجئة بهية عام 1964 في بغداد.
99