Page 7 - merit 43- july 2022
P. 7
افتتاحية 5
منها مصر -لا تفرج عنها أب ًدا ،وإن أفرجت تاريخية يختلف بحسب موقع من ينظر إليها،
فبانتقاء شديد يخدم وجهة نظر دون غيرها. وانتماءاته الدينية والعرقية ،ومصالحه ،وأن
حرية ُص َّناع الدراما! «معرفة» الحقيقة والاطلاع على الوثائق لا
يتوفر بالتساوي أمام كل الباحثين ،ناهيك
فإذا كان هذا هو التاريخ ،فما هي الدراما؟ عن تقييم هذه الوثائق وترتيبها ووضعها في
أي عمل درامي هو عمل «فني» بالأساس، سياقها ،فوثيقة واحدة ،صامتة مجردة ،يمكن
مهما التزم بـ»المعلومات» التي توفرت لديه، أن تكون دلي َل براء ٍة ودلي َل إدان ٍة في الوقت
نفسه بحسب المنهج المتبع ..وأن من يكتب
وأنا هنا أتحدث عن المعلومات التاريخية التاريخ هو المنتصر دائ ًما ،وبالتالي لا تكون
لأنها موضوعنا ..وكونه فنيًّا يعني أن له هناك فرصة للمهزوم ليقدم رؤية بديلة ،وأن
شرو ًطا كثيرة أضعفها المعلومات ،مثل الحبكة
ورسم الشخصيات ،وتطورها الذي يجب ينير جوانب مظلمة في الرواية الرسمية.
أن يكون مقن ًعا ،وعلاقة الحوار بالصورة، كما أن الذي يكتب يمكن أن يضع حادثة ما
ومدة العرض ،والإمكانيات الفنية المتوفرة
لصناع الدراما ،والتي تختلف من بلد لآخر، في البؤرة ويسلط الضوء عليها باعتبارها
وجهة الإنتاج نفسها وعلاقتها بصانع القرار، مرك ًزا ،ويهمل حوادث مماثلة باعتبار أنها
والمبالغ المتوفرة للإنتاج ،والتي تقرر أسماء أقل أهمية ،فيما يرى آخرون وض ًعا مغاي ًرا
المشاركين وأجورهم ،واستدعاء مساعدين لأهمية الأحداث .وأخي ًرا أن المنتصر الذي
ومراجعين للتاريخ كمادة علمية ،لكن العامل يكتب التاريخ تكون عينه –غالبًا -على المستقبل
الحاسم في صناعة الدراما هو مقدار الحرية أكثر مما هي على الماضي الذي يكتبه ،فرسم
المتاحة أمام صناع العمل ،وما إذا كانوا صورته أمام طلاب المدارس والجامعات من
يستطيعون قول ما يريدون حتى لو كان ضد دارسي التاريخ أهم من التاريخ نفسه –من
توجه المتحكمين في القرار والمستفيدين منه. وجهة نظره طب ًعا ،-لأنها حاسمة في تمكينه
إذا وضعنا كل تلك الأمور بجوار بعضها
بع ًضا سنخلص إلى نتيجة قاطعة ،وهي أن واستمراره في موقعه.
الدراما لا تكتب -ولا تساهم في كتابة- هذه النقاط الذي ذكرتها تصب في اتجاه
التاريخ ،بل على العكس ،يمكن أن نقول استحالة كتابة تاريخ حقيقي متجرد عن
–باطمئنان -إنه يتم استخدام الدراما في أي فترة زمنية؛ خلال ذات الفترة وتحت
تصدير أفكار بعينها عن التاريخ ،خاصة إذا شروطها وبأيدي المتحكمين فيها ،بل يلزم
كان آنيًّا وكانت وقائعة لا تزال حية وجارية. أن تتغير الظروف بحيث يستطيع الباحث أن
في الحالات تلك يحصل كاتب السيناريو على يقيس الأحداث بحياد ،من خلال الشهادات
(مادة) تاريخية دون غيرها ،بعلم من يريد المتباينة بشكل متسا ٍو ،ليتمكن من الحكم
توصيل المعلومات وتغليفها بغلاف درامي بشكل صحيح دون خوف من أي نتائج
ناعم ،لأنها لا تكون متاحة للجميع ولا تكون تؤثر على حياته ومستقبله ،ودون تعسف أو
متاحة كلها كما قدمت .الكتابة الصادقة هنا، إهمال لأي معلومة أو شهادة أو وثيقة ،وفي
التي تعبر عن (المادة) المتوفرة بأمانة ،لا تعني وقت تكون جهات ودول كثيرة أفرجت عن
أنها حقيقية أو متجردة ،فكاتب السيناريو وثائقها ووفرتها للنسخ ولاطلاع الباحثين،
يتصرف في حدود ما يملك من معلومات ،التي وتوفر المعلومات من عدة مصادر مشاركة
قد لا تشكل نسبة كبيرة مما حدث بالفعل، في صناعة الحدث يساهم بلا شك في إجلاء
ما كان غام ًضا ،ومعروف أن هذه الوثائق لا
ُيفرج عنها إلا بعد مرور 50عا ًما على الأقل
في بعض الدول الكبرى ،لكن دو ًل أخرى –