Page 8 - nnn
P. 8
العـدد 47 6
نوفمبر ٢٠٢2
الشعر خارج ميزتان في شعر محمود درويش
القضية والواقع م ًعا!
وهنا تجب الإشارة إلى خاصيتين ميزتا شعر
ربما كان الشطط في تصريح صلاح بوسريف، محمود درويش عن غيره من شعراء الرفض:
وفي رأي حلمي سالم وآخرين ،أن ما نسميه
الأولى أن قصائده «الزاعقة» «الشفاهية» لم
«شعر الحداثة» الذي ساد في النصف الثاني من تخل من صور جمالية مدهشة ،مثل قوله
السبعينيات وكل ثمانينيات القرن العشرين ،قد في قصيدة «أحمد الزعتر»« :ناز ًل من نحلة
أخذ الشعر خارج الشفاهية والقضايا الكبرى، الجرح القديم إلى تفاصيل البلاد /وكانت
وخارج الذاتية والواقع في آن ،وظهر سباق غريب السن ُة انفصال البحر عن مدن الرماد /وكن ُت
لكتابة قصيدة غير مفهومة ،تستند إلى استدعاءات وحدي ..ثم وحدي /آه يا وحدي وأحم ْد/
ثقافية وتراثية لا يفهمها الغالبية الكاسحة من كان اغترا َب البحر بين رصاصتينُ /مخيَّما
الناس ،حتى الشعراء أنفسهم ،فأصبحت الصور ينمو وينجب زعت ًرا ومقاتلين /وساع ًدا يشت ُّد
في النيسان /ذاكر ًة تجيء من القطارات التي
الغريبة والغامضة هد ًفا في ذاتها! صحيح أن تمضي /وأرصف ًة بلا مستقبلين وياسمين”.
قليلين فعلوا ذلك من وازع ثقافة عميقة ،لكن والثانية أنه تخلى في دواوينه الأخيرة جميعها
الأغلبية اندفعت تقلد دون روية ودون فهم ،مما عن «شعر القضية» المباشر ،لمصلحة الشعر
جعل المشهد الشعري في تلك السنوات مرب ًكا كونه كيا ًنا مستق ًّلُ ،يحدث التغيير المنشود
بالفعل ،حتى جاءت موجة شعرية جديدة اتكأت
على الذاتي والآني والمشهدي ،وكتبت قصائد غير المباشر كلما كان صاد ًقا وإنسانيًّا
مغايرة للشعر الشفاهي الزاعق ،لكنه مفهوم في وذاتيًّا ،لا زاع ًقا يذهب للأكليشيه على حساب
الجماليات .ومن هاتين النقطتين اختلف ُت مع
الوقت ذاته ،فأخرجت الشعر من مأزقه.
لكن اللافت أن تيار الحداثة لم يذهب كله ،فحتى الشاعر حلمي سالم حين قال لي إنه (كان)
اللحظة هناك شعراء يصبون ج َّل اهتمامهم بشكل يحب درويش -ومع صلاح بوسريف الآن-
القصيدة كونها لوحة ،مثل تجربة رفعت سلام
وآخرين انتهجوا نهجه ،ومنهم صلاح بوسريف، لأنه وضع درويش في خانة لا تخصه ،أو
هؤلاء يرون أن محمود درويش زاعق وشفاهي ثبَّ َت ُه عن نقطة معينة ورفض أن يذهب معه
حيث ذهب بعدها ،نقطة «سجل أنا عربي»
رغم ما في شعره من جماليات ،ويضعونه مع وقصيدة “بيروت» و»مديح الظل العالي»،
أحمد مطر ومظفر النواب في سلة الرفض-
المقاومة نفسها ،وهو رأي يحتاج إلى مراجعة التي كتبها بعد الخروج الفلسطيني من
بيروت إلى الشتات عام ،1983بعد حرب
بالتأكيد لاعتبارات خصوصية تجربته التي أشرت عام 1982مع إسرائيل ،وبعد اجتياح الجيش
إلى بعضها ،ووعيه المبكر برسالة الشعر أي ًضا. السوري لأراضي لبنان ،والتي لا تخلو من
كما أن فكرة (انسلاخ) الشعر العربي عن واقعه رهافة وجمال مع ذلك« :نامي قلي ًل يا ابنتي،
نامي قليلا /الطائرا ُت تع ُّضني .وتع ُّض ما
بالكامل على غرار الشعر الغربي في أوروبا وأمريكا في القلب من َع َس ٍل /فنامي في طريق النح ِل
تحتاج إلى مراجعة ،كون الشاعر العربي يعاني ما نامي /قبل أن أصحو قتيلا /الطائرا ُت تطير
يعانيه المواطن العربي من قهر وكبت في مجتمعات من ُغ َر ٍف مجاور ٍة إلى الح َّمام /فاضطجعي
قبلية أو شبه قبلية ،وكون أهمية (الشكل) في بناء على درجات هذا ال ُّسلَّم الحجر ِّي /وانتبهي
القصيدة الجديدة لا يتعارض مطل ًقا مع وقوفه على إذا اقترب ْت شظاياها كثي ًرا من ِك /وارتجفي
الأرض ،وتلمسه لما يدور حوله من قضايا أظنها
وجودية ،ترتبط بالفكرة البدائية عن الحياة والفن قليلا”.
في واقعنا المأزوم ،والشعر في القلب منه