Page 97 - nnn
P. 97

‫نون النسوة ‪9 5‬‬                                           ‫الأدبي كما يعرفه النقد المعاصر‪ ،‬فإن القوانين التي‬
                                                          ‫تحيط بهذا الجنس التأسيسي‪ ،‬إلى حد الآن‪ ،‬لم تلغ‬
‫للإنسان المعاصر‪ ،‬الذي يسهم في تكون هذه الذاكرة‬          ‫المرجع إلغا ًء نهائيًّا‪ ،‬بحكم الذات الكاتبة أو ًل‪ ،‬وبحكم‬
   ‫الروائية الحقيقية –سالفة الذكر‪ -‬ذات الأثر الجلي‬         ‫القوة المهيمنة للمعيش الذي يغذي السرد وينميه‪،‬‬
   ‫الملموس إبدا ًعا وتلقيًا‪ .‬وهذا ما سنحاول الوقوف‬
   ‫أمامه في قراءة رواية «أطياف كاميليا» للروائية‬              ‫بل بحكم الموقع الابتدائي الذي يحتله المعيش؛‬
                         ‫المبدعة «نورا ناجي»(‪.)4‬‬           ‫فهو مبررها وسببها وعلة وجودها‪ ،‬وبحكم عجز‬
    ‫إن هذا المستوى من مساءلة المفاهيم‪ ،‬يسعى إلى‬          ‫الخيال نفسه عن التخلص نهائيًّا من رواسب الذات‬
                                                        ‫وتجاربها مهما أمعن في التجرد والاتساع والانتشار‬
‫البحث في تحول السرد في الرواية الجديدة‪ .‬والرواية‬        ‫والبعد عن المصدر(‪ .)1‬يقول «جيرارد دو نرفال»‪« :‬أن‬
  ‫الجديدة هي جزء من النتاج الأدبي المعاصر‪ ،‬تتأثر‬
       ‫به وتأخذ منه‪ ،‬وتتطور بتطوره‪ .‬فلقد أنجزت‬                          ‫نبدع‪ ،‬هو في الحقيقة أن نتذكر»(‪.)2‬‬
     ‫تلك الرواية الجديدة مقولاتها الحداثية وما بعد‬          ‫ولعل تسريد الذات هو ما تلتبس فيه الكتابة في‬
      ‫الحداثية‪ ،‬وعبر هذه المقولات المنجزة يمكن أن‬            ‫التخييل الذاتي بمقومات خيالية مرهفة تمارس‬
   ‫نرصد التحولات التي مر بها هذا الجنس الأدبي‪.‬‬          ‫سح ًرا مضل ًل‪ ،‬وترهف إلى حد ملامسة أدق المواطن‬
                                                           ‫حميمية في الروح‪ ،‬فتصبح الوسيلة المثلى للغوص‬
‫وفي هذا السياق يمكن أن نختزل الرواية الجديدة في‬            ‫على الهارب والممتنع عن البوح على سرير الطبيب‬
‫اتجاهين كبيرين‪ .‬ينزع الاتجاه الأول نزعة تحديثية‪،‬‬              ‫النفسي‪ ،‬بينما يؤاتي الكتابة‪ ،‬ويذعن لسحرها‬
‫ويواصل تحديث تقاليد الرواية التي بدأت تلوح منذ‬             ‫النبيل بصورة مثيرة للدهشة‪ ،‬هي ربما ما يفسر‬
‫بضعة عقود‪ ،‬تحدي ًدا في الستينيات والسبعينيات من‬           ‫وحده سطوة التخييل الذاتي وقدرته على المراوغة‪،‬‬
‫القرن الماضي‪ .‬وهو اتجاه يسعى إلى خلخلة أساليب‬                ‫والمماطلة‪ ،‬والاستمرار على الرغم مما يحفه من‬
                                                            ‫ضبابية وغموض‪ .‬أما الجانب الآخر من الكتابة‪،‬‬
       ‫الكتابة الروائية التقليدية التي اعتمدت القالب‬      ‫الذي يقف على النقيض من دورها السحري النبيل‬
 ‫التقليدي والمباشر للكتابة السردية الروائية إلى حد‬            ‫في التسلل إلى أشد مواطن الذات حميمية‪ ،‬فهو‬
  ‫بعيد‪ ،‬وفسحت المجال لتدخل الكاتب العالم بالكون‬         ‫انتهاؤها إلى الوقوع في قلب التخييل ولحمته وسداه‪،‬‬
‫وهو يناقش مفردات الحياة وعلاقة الذات الإنسانية‬             ‫من خلال دورها الخلاق في إعادة صياغة الواقع‬

    ‫بالحياة والأحياء‪ ،‬والأشياء الغائبة والافتراضية‬                  ‫وإخضاعه لمقتضيات التخييل الذاتي(‪.)3‬‬
   ‫وغير الافتراضية وف ًقا لرؤيته الغائبة والمتشظية‬           ‫إن الوقوف أمام حدود الممنوع وسلطة الغياب‬
                                                          ‫والتلاشي بوصفها ملم ًحا أساسيًّا للنص الروائي‬
     ‫حينًا والحاضرة في عوالم الأسى والتيه والألم‬               ‫الحداثي المغاير‪ .‬كذلك تأكيد الوجود والهوية‬
‫والاغتراب حينًا آخر‪ ،‬واتجاه ثان يعتقد أن المزج بين‬      ‫الخاصة بها‪ .‬فالرواية الجديدة سارت خلال عقودها‬
                                                             ‫الأخيرة تجاه إرساء جملة من التقاليد الروائية‬
  ‫التقليدي والحداثي لا يزال قاد ًرا على ابتكار كتابة‬     ‫والسردية الحداثية التي كان لها أثر كبير في تطور‬
                 ‫روائية لها مألوفيتها لدى المتلقي‪.‬‬         ‫مسيرتها لاح ًقا‪ ،‬إذ أسهمت هذه التقاليد في بلورة‬
                                                        ‫تصور حداثي ومغاير للرواية الجديدة إبدا ًعا وتلقيًا‪،‬‬
 ‫إن رواية «أطياف كاميليا» للروائية «نورا ناجي»‬              ‫ما مهد الطريق أمام تكون ذاكرة روائية حقيقية‬
‫تثير طر ًحا نقد ًّيا جا ًّدا‪ ،‬يكمن في موضوعها وأحداثها‬  ‫وذات أثر جلي‪ ،‬بعد أن ظلت الرواية تعد لفترة طويلة‬
                                                          ‫مجرد تقليد ومحاكاة لفنون سردية تقليدية قديمة‬
   ‫وبنائها ولغتها‪ ،‬فهي رواية تأخذ حي ًزا كبي ًرا لدى‬
   ‫المتلقي؛ لما تفرضه بقوتها‪ ،‬من استحضار لعوالم‬                               ‫–إن جازت هذه الفرضية‪.-‬‬
‫إنسانية متعددة‪ ،‬متقاربة ومتباينة في آ ٍن‪ ،‬ومن قدرة‬            ‫وإننا نعني هنا بحدود الممنوع وسلطة الغياب‬
    ‫على استنطاق جمالية الكتابة الروائية فيها‪ ،‬بكل‬         ‫والتلاشي ذلك النوع من ملامح الحضور المأزوم‬
  ‫تدفقها وتوهجها واكتمالها وحضورها اللانهائي‪.‬‬
     ‫كذلك تحفزنا على طرح أسئلة نقدية جادة‪ ،‬لعل‬
   ‫أهمها‪ :‬سؤال البناء الفني للنص السردي داخلها‪،‬‬
    ‫وما يتصل به من اتخاذها من الراهن الإنساني‬
‫الحقيقي والمتخيل منطل ًقا لتشكيل متخيلها السردي‪،‬‬

             ‫والتجديد فيها عبر متاهتها السردية؟‬
   92   93   94   95   96   97   98   99   100   101   102