Page 25 - مجلة التنوير - العدد الثالث - نسخة لمستخدمي الآيفون
P. 25
المجلس لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
مجلــــــــــــــــة
الوعي الذاتي وجدل الثقافي والسياسي
(ق ارءة في سيرة محمود أمين العاِلم الذاتية وأفكاره الثقافَّية والسياسَّية)
د.غيضان السيد علي
أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة المساعد بكلية الآداب جامعة بني سويف
الـذي وقـع بيـن مطرقـة الحكـم المسـتبد وسـندان محمـود أميـن العاِلـم (2009-1922م) القطـب
الاسـتعمار والإقطـاع وال أرسـمالية ،والـذي يكافـح اليسـاري الكبيـر و ارئـد الواقعَّيـة الاشـت اركَّية فـي
-وكأنـه سـيزيف -لنيـل حقوقـه الضائعـة دون الأدب ،هـو ذاك الفيلسـوف الشـاعر الناقـد الكاتـب
جـدوى؛ ولذلـك لـم يكتـف العاِلـم بصفـاء الاعتصـام الأديـب المناضـل الـذي فـرض نفسـه علـى السـاحة
بـرؤاه النظريـة الفك َرّيـة فـي بـرٍج عاجـي شـاهق ينعـزل الفك َرّيـة العربَّيـة بوصفـه واحـًدا مـن أرفـع الهامـات
بـه عـن مجريـات الواقـع ،بـل أقـام حـواًار خلاًقـا بيـن الفك َرّيـة فـي النصـف الثانـي مـن القـرن العشـرين
النظريـة والتطبيـق ،فاغتنـى الفكـر بالواقـع واغتنـى والعقـد الأول مـن القـرن الـذي يليـه؛ وذلـك لأَّنـه
الواقع بالفكر؛ ولذلك لم يكن غريًبا أن يدفع ضريبة تمَّيـز عـن كثيـر مـن الكَتّـاب والأكاديمييـن الذيـن
إخلاصـه لقضيتـه التـي وهـب لهـا حياتـه أن ُيسـجن كتبـوا عـن عالمنـا الواقعـي المعيـش مـن أب ارجهـم
وُيعذب في سـجنه أعوا ًما خمسـة ،ثم ُيعزل وُيضطر العاجيـة؛ فلـم يربطـوا النظـر بالعمـل ،ولـم يحترمـوا
لقبـول منفـاه بصـورة تبـدو اختياريـة فـي ظاهرهـا الآخـر المختلـف معهـم فـي وجهـات النظـر ،وحولـوا
جبريـة فـي باطنهـا؛ لذلـك كان مـن الصعـب الفصـل اختلافاتهـم الأيديولوجيـة إلـى خلافـات شـخصَّية،
بيـن سـيرة حياتـه الذاتيـة وأفـكاره ونضالـه وإيمانـه ولـم يتحـرروا مـن الوقـوع فـي عبـادة النصـوص،
بأفـكاره ومبادئـه .وهـو مـا سـنعرض لـه فيمـا يلـي: فأصيبـوا بتصلـب الشـ اريين الفك َرّيـة التـي حالـت
-ومـا ازلـت – تحـول دون تجـدد الفكـر وتطـوره،
أولاً – نشأة متطلعة إلى تكوين وعي ذاتي والوقـوع فـي أسـر أوهـام الحقيقـة الواحـدة المطلقـة.
وِلـَد محمـود أميـن العاِلـم فـي الثامـن عشـر مـن
فب اريـر عـام 1922م فـي حـي الـدرب الأحمـر بوسـط إ َّن مـا يميـز فكـر محمـود أميـن العاِلـم هـو تجـاوزه
القاهـرة ،وتفتحـت – عينـا الفتـى فـي عشـرينيات للفصـل بيـن النظريـة والتطبيـق ،وصيـرورة عقلـه
القـرن المنصـرم – علـى ميـاد عصـر جديـد؛ الحـي المتحـرك النابـض ،واحتـ ارم الآخـر المختلـف
عصـر الثـورة الوطنيـة التـي طـوت بهـا مصـر مرحلة معـه فك ًرّيـا وأيديولوجًّيـا .وقـد نتـج ذلـك عـن إيمانـه
الاسـتعمار والاسـتعباد وشـيوع الفسـاد ،وبـدأت بالإنسـان المقهـور وال ُمسـتَغل الـذي كّبلتـه الظـروف
مرحلـة جديـدة هـي مرحلـة التحـرر والاسـتقلال التـي لـم يصنعهـا ،سـواء أكانـت ظروًفـا اقتصاديـة
والتطلـع إلـى بنـاء الأمجـاد .فقـد كانـت طفولتـه أو سياسـية أو اجتماعيـة .إَّنـه ذلـك الإنسـان
25