Page 20 - مجلة التنوير - العدد الثالث - نسخة لمستخدمي الآيفون
P. 20

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                                 ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

                                                                                                  ‫مجلــــــــــــــــة‬

‫لد ارسـات وأبحـاث الكتـاب الأخضـر خفـف مـن حـدة – إن جـاز التعبيـر – هـي حافظـة الوعـي القومـي‬

‫المرتبـط بالتاريـخ‪ .‬مـن المعـروف أن تاريـخ الأمـم‬                          ‫الخـوف مـن مـوت اللغـة العربيـة قائـاً بأنهـا لغـة‬
‫هـو صفحـة أمجادهـا‪ ،‬ودفتـر انكسـا ارتها‪ .‬وفـارق‬                            ‫القـرآن الكريـم‪ ،‬وهـي محفوظـة ولا تحتـاج إلـى كل‬

‫كبيـر بيـن مـن يعـرف تاريخـه‪ ،‬وبيـن مـن لا يعرفـه‬                                                 ‫هـذا الخـوف‪.‬‬

    ‫أو لديـه معلومـات متناثـرة أو غامضـة عنـه‪.‬‬                             ‫ونظـًار لـكل تلـك الاعتبـا ارت‪ ،‬فـإن مـن واجبنـا‬
                                                                           ‫حمايـة اللغـة العربيـة مـن المخاطـر العديـدة‬
‫فـالأول أكثـر ثباتًـا علـى الأرض‪ ،‬وأقـدر علـى‬
‫مواجهـة الواقـع‪ ،‬والتطلـع إلـى بنـاء المسـتقبل‪ ،‬بينمـا‬                                        ‫والتحديـات التـي تواجههـا‪.‬‬

‫الآخـر يشـبه الشـجرة التـي خلعـت مـن أرضهـا‬                                ‫يقـول أ‪ .‬محمـود أميـن العالـم فـي كتابـه‪« :‬العولمة‬
‫التـي نبتـت فيهـا‪ ،‬ووضعـت فـي تربـة رخـوة لا تـكاد‬                         ‫وخيـا ارت المسـتقبل» (أخـذت العولمـة السـائدة شـكلاً‬
                                                                           ‫مـن أشـكال سـيادة لغـة مـن لغـات الـدول المهيمنـة‬
                              ‫تمسـك بجذورهـا‪.‬‬

‫فالوعـي بالتاريـخ قيمـة فـي ذاتـه؛ لأن الإنسـان‬                            ‫فـي العلاقـات التجاريـة والاقتصاديـة‪ ،‬ومـا يتبـع‬

‫لا يمكـن أن ُيغلـق قلَبـه وفكـره عـن حقيقـة عصـره‬                          ‫ذلـك مـن سـيادة ثقافتهـا وقيمهـا الخاصـة‪ ،‬وهـذا‬
‫وزمانـه؛ لذلـك فـإن تهميـش التاريـخ هـو تفريـغ‬                             ‫معنـاه تهميـش اللغـات والثقافـات القوميـة واحتوائهـا‬

‫واسـتتباعها كمدخـل لاسـتتباعها اقتصادًّيـا وثقافًّيـا)‪ .‬للإنسـان مـن القيـم الحضاريـة والثقافيـة التـي يعلـو‬

‫ومعنـى ذلـك أن العولمـة والمركزيـة والهيمنـة بهـا تاريخـه(((‪.‬‬

‫إن التاريـخ يتحـرك نحـو المسـتقبل‪ ،‬وعالـم‬                                  ‫الغربيـة تسـعى لاقتـاع جـذور لغتنـا وثقافتنـا‬

‫اليـوم محكـوم فـى مسـاره بعالـم الغـد؛ لأن الغـد أو‬                                               ‫ا لعربي ـة ( ((‪.‬‬

‫المسـتقبل هـو نقطـة البدايـة‪ ،‬وعندمـا يحقـق المجتمـع‬                       ‫الحـوار – عـن طريـق اللغـة – لا يتحقـق ولا‬
‫وعًيـا نقدًّيـا بالعصـر‪ ،‬فسـوف تبـدو حركـة التاريـخ‬                        ‫يوجـد وجـوًدا فعلًّيـا إلا فـي التاريـخ‪ .‬والثقافـة العربيـة‬

              ‫بوصفهـا انفتا ًحـا علـى المسـتقبل‪.‬‬                           ‫((( انظر‪ :‬المؤتمر السـنوى الحادى عشـر لجميعة لسـان العرب‬
‫ينظـر الفيلسـوف الألمانـي “هيجـل” فـي أعمـاق‬                                       ‫لرعايـة اللغـة العربيـة ‪ .‬جامعـة الـدول العربيـة ‪ .‬القاهـرة ‪.‬‬
‫التاريـخ ليكشـف عـن جـذوره الحقيقيـة فـي عالـم‬
                                                                           ‫‪ 2005 /2 /6‬وضرورة وضع خطة لحماية اللغة من الأخطار‬
                                   ‫“الإنس ـان”‪.‬‬                            ‫التـى تتعـرض لهـا‪ ،‬والمؤتمـر الخـاص بمجمـع اللغـة العربيـة فـى‬
                                                                           ‫دورتـه الحاديـة والسـبعين مـارس ‪ .2005‬تحـت عنـوان‪ :‬الثقافـة‬
‫التاريـخ يبـدأ مـع الإنسـان والحضـارة‪ ،‬والعصـور‬                            ‫واللغـة العربيـة فـى عصـر العولمـة‪ .‬هـذا المؤتمـر‪ ،‬المؤتمـر‬
‫السـابقة علـى الحضـارة هـي عصـور “الوحشـية” أو‬
‫“مـا قبـل التاريـخ”‪ .‬وقبـل هيجـل بمئـات السـنين كان‬                                  ‫السـابق أشـار إلـى مجموعـة مـن التوصيـات أهمهـا‪:‬‬
                                                                           ‫‪ -1‬ضـرورة وضـع ضوابـط تؤكـد علـى أهميـة اللغـة العربيـة‪-2 .‬‬
‫(‪ )2‬أشـار الدكتـور أحمـد زويـل – فـى حديـث تليفزيونـى – إلـى أن‬            ‫سـيادة اللغـة العربيـة الفصحـى بـدلاً مـن العاميـة‪ ،‬والتـ ازم وسـائل‬
‫التاريـخ المصـرى يـدرس فـى مـدارس أمريـكا‪ ،‬والأدب الفرعونـى‬                ‫الإعـام المختلفـة مـن صحافـة وإذاعـة وتليفزيـون وغيرهـا بذلـك‪.‬‬
‫يـدرس فـى جميـع الجامعـات فـى الغـرب‪ ،‬باعتبـاره مسـتقى مـن‬                 ‫‪ -3‬التأكيـد علـى أن شـيوع العاميـات خطـر يهـدد وحدتنـا كأمـة‬

                                         ‫التاريـخ الفرعونـى‪.‬‬                          ‫عربيـة‪ -4 .‬التوصيـة بإبـ ارز الطابـع العالمـي للغـة‪.‬‬
‫وإذا كان الأمـر كذلـك‪ ،‬فأولـى بنـا نحـن أن نهتـم بتاريخنـا‪ ،‬باعتبـاره‬      ‫‪ -‬نبـه الدكتـور علـى جمعـة – فـى هـذا المؤتمـر – إلـى أن اللغـة‬
                                                                           ‫والفكـر وجهـان لعملـة واحـدة‪ .‬والأزمـة التـى نعانيهـا هـى أزمـة‬
                                  ‫أحـد ثوابـت ثقافتنـا العربية‪.‬‬
                                                                                 ‫المنتسـبين إليهـا‪ ،‬أى أنهـا أزمـة فكـر وليسـت أزمـة لغـة‪.‬‬
                                                                           ‫ولكـن التوصيـات – رغـم تكررهـا فـي عـدة مؤتمـ ارت – إلا إنهـا‬
                                                                           ‫غيـر ملزمـة‪ ،‬وسـتظل الهـوة تتسـع بيـن مـا يريـده المجمعيـون للغـة‬
                                                                           ‫العربيـة مـن تطـور وتجـدد وسـيادة‪ ،‬وبيـن مـا يحـدث فـي الواقـع‬

                                                                                                                    ‫مـن ناحيـة أخـرى‪.‬‬

                                                                       ‫‪20‬‬
   15   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25