Page 17 - مجلة التنوير - العدد الثالث - نسخة لمستخدمي الآيفون
P. 17

‫المجلس‬                ‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬   ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

        ‫مجلــــــــــــــــة‬

        ‫الثقافة العربية ‪ ...‬وتحديات العصر‬

        ‫أ‪.‬د‪ .‬سامية عبد الرحمن‬

        ‫أستاذ الفلسفة المعاصرة وفلسفة القيم‪ ،‬كلية البنات‪ ،‬جامعة عين شمس‬

                         ‫الثقافيـة والقضـاء علـى الهويـة‪.‬‬          ‫الحديـ ُث عـن الثقافـ ِة بوجـه عـام حديـ ٌث متسـع‬
                                                                                       ‫الأطـ ارف متعـدد الجوانـب‪.‬‬
        ‫إن العقـل العربـى مدعـو – فـى هـذا المجـال –‬
        ‫إلـى تقديـم التـ ارث الثقافـى العربـى بـكل مـا يحمـل‬       ‫نحـن نعيـش اليـوم عصـر الثقافـات الحـرة‬
        ‫مـن قيـم روحيـة غابـت عـن الحضـارة المعاصـرة‪،‬‬              ‫والإعـام العالمـي وتمـازج الشـعوب واختـاط‬
        ‫وأضحـت الحاجـة ُملحـة لبعـث هـذا التـ ارث الروحـى‬          ‫العـادات وتبـادل المصالـح‪ .‬هـذا العصـر‪ ،‬عصـر‬
        ‫والقيمـى‪ ،‬وأن يحـاول أن ُيثبـت للعالـم أننـا يمكـن‬         ‫العولمـة والعلمانيـة‪ ،‬عصـر المعلوماتيـة والرقميـة‪،‬‬
        ‫أن نسـتوعب مفاهيـم العلمانيـة والعولمـة دون أن‬             ‫عصـر التكنولوجيـا ومركزيـة الـذات الغربيـة التـي‬
        ‫نفقـد هويتنـا الوحيـدة أو أن نقطـع جذورنـا الثقافيـة‪،‬‬      ‫تجعـل اجتيـا َح الغـرب الثقافـي للعالـم العربـي جـزًءا‬
        ‫دون خـوف أو شـعور بالضعـف أو الدونيـة أمـام‬                ‫أساسـًّيا مـن أسـاليب الهيمنـة والسـيطرة علـى العالـم‬

                                       ‫أى فكـر جديـد‪.‬‬                                  ‫وتدميـًار لحصونـه الثقافيـة‪.‬‬
                                                                   ‫إن التحديـات التـي تواجـه الثقافـة العربيـة‬
        ‫نحـن بحاجـة ملحـة إلـى النظـرة العلميـة فـي أبسـط‬          ‫تسـتدعى قـدًار كبيـًار مـن الحكمـة والوعـي والحـرص‬
        ‫أمورنـا‪ ،‬وفـى أعظمهـا شـأًنا‪ ،‬فـي سـلوكنا اليومـي‪،‬‬         ‫علـى التمسـك بالهويـة والحـذر مـن حـالات التشـويه‬
        ‫فـي عاداتنـا وتقاليدنـا‪ .‬إن عواطفنـا تسـبق عقولنـا‬         ‫والخلـط التـي تتعـرض لهـا بهـدف طمـس معالـم‬
                                                                   ‫هـذه الثقافـة؛ لذلـك فالاهتمـام بالثقافـة العربيـة فـى‬
                  ‫ووجداننـا يطغـى علـى المنطـق والعقـل‪.‬‬            ‫هـذا العصـر يعـد أمـًار ضرو ًرّيـا‪ ،‬وذلـك فـى ظـل‬
                                                                   ‫المتغيـ ارت الدوليـة التـى حدثـت فـى العالـم مـن‬
        ‫نحـن بحاجـة أي ًضـا إلـى قيمـة الشـخص البشـرى؛‬             ‫ناحيـة‪ ،‬وبوصفهـا حصًنـا أو خـط دفـاع أول عـن‬
        ‫إلـى معنـى الإنسـان الـذي كرمـه الله وجعلـه خليفـة‬
        ‫لـه علـى الأرض‪ .‬إن احتـ ارم الإنسـان ليـس اخت ار ًعـا‬                           ‫هويتنـا مـن ناحيـة أخـرى‪.‬‬
        ‫غربًيـا أو مـن إبـداع حضـارة العصـر‪ ،‬علينـا أن‬
        ‫نصحـح مسـيرة حضـارة سـحقت الإنسـان وسـلبته‬                 ‫نحـن لا نرفـض ثقافـة الغـرب بعـد أن أصبـح‬
                                                                   ‫توغلهـا فـى الكيانـات المعاصـرة حقيقـة لا تخفـى‪،‬‬
                              ‫المعنـى السـامي لوجـوده‪.‬‬             ‫ولكننـا نرفـض أن تحـل الثقافـة الغربيـة محـل ثقافتنـا؛‬
                                                                   ‫لأن الغـرب لـم يلـغ ثقافتـه وفكـره وعقيدتـه حيـن أخـذ‬
        ‫فـي ضـوء هـذا يمكـن فه ُمنـا للثقافـة العربيـة‬             ‫عـن الحضـارة الإسـامية مـا أخـذ‪ ،‬إضافـة إلـى أن‬
        ‫بوصفهـا منظومـة مختلفـة المجـالات‪ ،‬متعـددة‬                 ‫الثقافـة الغربيـة تعـد الآن وسـيلة لتذويـب الـذات‬
        ‫الوظائـف‪ ،‬تنطـوي علـى وحدتهـا الخاصـة ووظائفهـا‬

                         ‫المتجاوبـة بوصفهـا منظومـة‪.‬‬

                                                               ‫‪17‬‬
   12   13   14   15   16   17   18   19   20   21   22