Page 27 - مجلة التنوير - العدد الثالث - نسخة لمستخدمي الآيفون
P. 27
المجلس لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
مجلــــــــــــــــة
لا يؤمـن بقـوة مفارقـة .وفـي تلـك الأثنـاء قـ أر نيتشـه بمخـازن مدرسـة الأورمـان الابتدائيـة بحـي الدقـي
وخاصـة كتابـه «هكـذا تكلـم ز اردشـت» الـذي عثـر القريـب مـن الجامعـة ،ثـم انتقـل بعـد ذلـك ليعمـل
موظًفـا بكليـة الآداب جامعـة فـؤاد الأول ،الكليـة عليـه فـي مكتبـة أخيـه ،وشـجعه علـى ق ارءتـه ُمعلـم
التـي كان يـدرس بهـا فـي قسـم الفلسـفة .وكانـت اللغـة الفرنسـية فـي المدرسـة الثانويـة ،والـذي كان
مـن المعجبيـن بفكـر نيتشـه .ووجـد العاِلـم فـي نيتشـه
مقـر ارت الد ارسـة بقسـم الفلسـفة حينـذاك بعيـدة
عـن الفلسـفة المادّيـة والبرجماتيـة بحكـم المنـاخ التقـا ًء روحًّيـا مـع الحـاج؛ فالحـاج يبحـث عـن
السياسـي -الثقافـي القائـم؛ حيـث يتعـرف محمـود الإنسـان الكامـل ،ونيتشـه يقـول بالإنسـان الأعلـى
العاِلـم أكثـر وأكثـر علـى أركان المدرسـة المثاليـة فـي (السـوبرمان) ،أي الـذي لا توجـد قـوى مفارقـة
التفكيـر (كانـط – هيجـل -برجسـون) .ويتحمـس تفـرض عليـه مشـيئتها(((.
بدرجـة كبيـرة للفكـر المثالـي وُيقبـل علـى قـ ارءة كافـة ومن الحلاج ونيتشـه تشـّبع العاِلم بالفكر المثالي
المذاهـب المثاليـة. الـذي يؤمـن باسـتقلالية العقـل وحـده بالمعرفـة بعيـًدا
عـن كل أثـر للقـوة الحساسـة أو المتخيلـة .وصـار
ومـا إن أنهـى العاِلـم د ارسـته حاصـاً علـى
الليسـانس فـي الفلسـفة حتـى ُعيـن بوظيفـة أرقـى يبحـث عـن أعلامـه منـذ فجـر التاريـخ ليفتـح لـه
قليـاً هـي وظيفـة مترجـم ومنظـم محاضـ ارت ،ثـم ذلـك بـاب قـ ارءة المثاليـات الكبـرى عبـر التاريـخ مـن
أمثال :مثالية أفلاطون المحلقة في العوالم السماوية
انتقـل ليشـغل وظيفـة أميـن مكتبـة قسـم الجغ ارفيـا
المفارقـة ،ومثاليـة ديـكارت الحالمـة ،ومثاليـة باركلـي بالكليـة .وهنـاك يفكـر فـي مواصلـة الطريـق ،يدفعـه
للأمـام الفكـر المثالـي بقضايـاه المتعـددة ،وتحـت المغرقـة فـي الـرؤى ،ومثاليـة كانـط النقديـة ،ومثاليـة
هيجـل المطلقـة .وقـد كان تأثيـُر الأخيـر علـى العاِلـم
دوافـع ذاتيـة أهمهـا البحـث عـن الحقيقـة والاسـتق ارر هـو الأقـوى فـي هـذه الفتـرة المبكـرة مـن حياتـه،
الفكـري ،يختـار العاِلـم قضيـة بالغـة الدقـة ليناقشـها وتحـت تأثيـر هيجـل عالـج العاِلـم فكـرة الحريـة التـي
ويدرسـها وتكـون هـي موضـوع د ارسـته للماجسـتير،
فاختـار «نظريـة المصادفـة فـي الفيزيـاء الحديثـة». عَّرفهـا تعريًفـا هيجلًّيـا بأنهـا معرفـة الضـرورة ،سـواء
أكانـت طبيعيـة أو نفسـية ،والسـيطرة عليهـا والتحـرر
وكان الاختيـار منطلًقـا مـن خلفيـة مثاليـة صرفـة؛
إذ يقـول العاِلـم« :لقـد بـدأت هـذا البحـث غارًقـا منهـا مـن أجـل تجاوزهـا .ومـن خـال هيجـل أي ًضـا
حتـى أذنـ ّي فـي الفكـر المثالـي ،هادًفـا إلـى اتخـاذ تعـرف علـى اليسـار الهيجلـي الـذي كان مـن أهـم
المصادفـة معـولاً لتقويـض الموضوعيـة العلميـة»(((؛
أعلامـه نيتشـه وفويربـاخ وشـترنر وماركـس.
حيـث كان جوهـر التفسـير المثالـي للظواهـر يقـوم
ثانًيا -الجامعة وتعميق الوعي المثالي
علـى المصادفـة وليـس علـى الأسـباب المادَّيـة عمـل العاِلـم بعـدة وظائـف قبـل وأثنـاء التحاقـه
والعقليـة ،ومـن ثـم أ ارد محمـود أميـن العاِلـم مـن
بجامعـة فـؤاد الأول (القاهـرة حالًيـا)؛ إذ عمـل موظًفـا
موضـوع رسـالته أن يثبـت أن المصادفـة تحكـم إدا ّرًيـا فـي ديـوان و ازرة التربيـة والتعليـم ،ثـم موظًفـا
((( محمــود أمــن العالِــم ،فلســفة المصادفــة – بحــث في الفلســفة ((( عاصـم الدسـوقي ،المتمـرد ،مجلـة أدب ونقـد ،تصـدر عـن حـزب
العلميـة يؤكـد الأسـاس الموضوعـي للمصادفـة ويحـد لدلالتهـا في التجمـع الوطنـي التقدمـي الوحدوي،السـنة الخامسـة والعـرون،
الفيزي��اء الحديث��ة ،القاه��رة ،الهيئ��ة المصري��ة العام��ة للكت��اب -
العـدد ، 283مـارس ،2009ص.135
مكتبــة الأسرة ،2003 ،ص.8
27