Page 165 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 165
www.islamicbulletin.comرﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ
ولقد كان من أصحاب رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم من لم تلھھم تجارتھم ولا بيعھم عن ذكر ﷲ ..بل
اجتھدوا في انماء تجارتھم وأموالھم ليخدموا بھا قضية الاسلام ،ويكفوا بھا حاجات المسلمين..
ولكن منھج ھؤلاء الأصحاب ،لا يغمز منھج أبو الدرداء ،كما أن منھجه لا يغمز منھجھم ،فكل مي ّسر لما
خلق له..
وأبو الدرداء يح ّس احساسا صادقا أنه خلق لما نذر له حياته..
التخصص في نشدان الحقيقة بممارسة أقصى حالات التبتل وفق الايمان الذي ھداه اليه ربه ،ورسوله
والاسلام..
س ّموه ان شئتم تص ّوفا..
ولكنه تص ّوف رجل توفّر له فطنة المؤمن ،وقدرة الفيلسوف ،وتجربة المحارب ،وفقه الصحابي ،ما جعل
تص ّوفه حركة حيّة في ل\بناء الروح ،لا مج ّرد ظلال صالحة لھذا البناء!!..
أجل..
ذلك ھو أبو الدرداء ،صاحب رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم وتلميذه..
وذلكم ھو أبو الدرداء ،الحكيم ،الق ّديس..
ورجل دفع الدنيا بكلتا راحتيه ،وزادھا بصدره..
رجل عكف على نفسه وصقلھا وز ّكاھا ،وحتى صارت مرآة صافية انعكس عليھا من الحكمة ،والصواب،
والخير ،ما جعل من أبي الدرداء معلما عظيما وحكيما قويما..
سعداء ،أولئك الذين يقبلون عليه ،ويصغون اليه..
ألا تعالوا نف\قترب من حكمته يا أولي الألباب..
ولنبدأ بفلسفته تجاه الدنيا وتجاه مباھجھا وزخارفھا..
انه متأثر حتى أعماق روحه بآيات القرآن الرادعة عن:
) الذي جمع مالا وع ّدده ..يحسب أن ماله اخلده(...
ومتأثر حتى أعماق روحه بقول الرسول:
" ما ق ّل وكفى ،خير مما كثر وألھى"..
ويقول عليه السلام:
" تف ّرغوا من ھموم الدنيا ما استطعتم ،فانه من كانت الدنيا أكبر ھ ّمه ،ف ّرق ﷲ شمله ،وجعل فقره بين
عينيه ..ومن كانت الآخرة أكبر ھ ّمه جمع شمله ،وجعل غناه في قلبه ،وكان ﷲ اليه بكل خير أسرع".
من أجل ذلك ،كان يرثي لأولئك الذين وقعوا أسرى طموح الثروة ويقول:
" اللھم اني أعوذ بك من شتات القلب"..
سئل:
وما شتات القلب يا أبا الدرداء..؟؟
فأجاب:
أن يكون لي في كل واد مال"!!..
وھو يدعو الناس الى امتلاك الدنيا والاستغناء عنھا ..فذلك ھو الامتلاك الحقيقي لھا ..أما الجري وراء
أطماعھا التي لا تؤذن بالانتھاء ،فذلك شر ألوان العبودية وال ّرق.
165