Page 167 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 167

‫‪ www.islamicbulletin.com‬رﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ‬

                                                  ‫فقالوا له‪ ":‬لو شئت كان لك فراش أطيب وأنعم‪"..‬‬
                                      ‫فأجابھم وھو يشير بسبّابته‪ ،‬وبريق عينيه صوب الأمام البعيد‪:‬‬

                                                                                ‫" ان دارنا ھناك‪..‬‬
                                                                         ‫لھا نجمع‪ ..‬واليھا نرجع‪..‬‬
                                                                       ‫نظعن اليھا‪ .‬ونعمل لھا"‪!!..‬‬
              ‫وھذه النظرة الى الدنيا ليست عند أبي الدرداء وجھة نظر فحسب بل ومنھج حياة كذلك‪..‬‬
       ‫خطب يزيد بن معاوية ابنته الدرداء فر ّده‪ ،‬ولم يقبل خطبته‪ ،‬ثم خطبھا واحد من فقراء المسلمين‬
                                                              ‫وصالحيھم‪ ،‬فز ّوجھا أبو الدرداء منه‪.‬‬
                                              ‫وعجب الناس لھذا التص ّرف‪ ،‬فعلّمھم أبو الدرداء قائلا‪:‬‬
                     ‫" ما ظنّكم بالدرداء‪ ،‬اذا قام على رأسھا الخدم والخصيا وبھرھا زخرف القصور‪..‬‬
                                                                        ‫أين دينھا منھا يومئذ"‪..‬؟!‬
                                                                ‫ھذا حكيم قويم النفس‪ ،‬ذكي الفؤاد‪..‬‬
                        ‫وھو يرفض من الدنيا ومن متاعھا كل ما يش ّد النفس اليھا‪ ،‬ويولّه القلب بھا‪..‬‬
                                                           ‫وھو بھذا لا يھرب من السعادة بل اليھا‪..‬‬
                                   ‫فالسعادة الحقة عتده ھي أن تمتلك الدنيا‪ ،‬لا أن تمتلكك أنت الدنيا‪..‬‬
    ‫وكلما وقفت مطالب الناس في الحياة عند حدود القناعة والاعتدال وكلما أدركوا حقيقة الدنيا كجسر‬
    ‫يعبرون عليه الى دار القرار والمآل والخلود‪ ،‬كلما صنعوا ھذا‪ ،‬كان نصيبھم من السعادة الحقة أوفى‬

                                                                                         ‫وأعظم‪..‬‬
                                                                                      ‫وانه ليقول‪:‬‬
   ‫" ليس الخير أن يكثر مالك وولدك‪ ،‬ولكن الخير أن يعظم حلمك‪ ،‬ويكثر علمك‪ ،‬وأن تباري الناس في‬
                                                                                ‫عبادة ﷲ تعالى"‪..‬‬
‫وفي خلافة عثمان رضي ﷲ عنه‪ ،‬وكان معاوية أميرا على الشام نزل أبو الدرداء على رغبة الخليفة في‬
                                                                                  ‫أن يلي القضاء‪..‬‬
     ‫وھناك في الشام وقف بالمرصاد لجميع الذين أغ ّرتھم مباھج الدنيا‪ ،‬وراح يذ ّكر بمنھج الرسول في‬
                                     ‫حياته‪ ،‬وزھده‪ ،‬وبمنھج الرعيل الأول من الشھداء والص ّديقين‪..‬‬
                                                ‫وكانت الشام يومئذ حاضرة تموج بالمباھج والنعيم‪..‬‬
                         ‫وكأن أھلھا ضاقوا ذرعا بھذا الذي ينغ ّص عليھم بمواعظه متاعھم ودنياھم‪..‬‬
                                                             ‫فجمعھم أبو الدرداء‪ ،‬وقام فيھم خطيبا‪:‬‬
                                                                                  ‫" يا أھل الشام‪..‬‬
                                 ‫أنتم الاخوان في الدين‪ ،‬والجيران في الدار‪ ،‬والأنصار على الأعداء‪..‬‬
                                                                  ‫ولكن مالي أراكم لا تستحيون‪..‬؟؟‬
                                                                            ‫تجمعون ما لا تأكلون‪..‬‬
                                                                           ‫وتبنون ما لا تسكنون‪..‬‬
                                                                           ‫وترجون ما لا تبلّغون‪..‬‬
                                                     ‫وقد كانت القرون من قبلكم يجمعون‪ ،‬فيوعون‪..‬‬
                                                                              ‫ويؤ ّملون‪ ،‬فيطيلون‪..‬‬

                                                              ‫‪167‬‬
   162   163   164   165   166   167   168   169   170   171   172