Page 285 - merit 39 feb 2022
P. 285

‫‪283‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫غناء‬

      ‫العامة؛ تعمل الموسيقي على‬     ‫للصمت بالحياة بالمعني الحقيقي‬        ‫يصبح الصمت برها ًنا‪ .‬يتأسس‬
      ‫“إرضاخ الاصوات لرغبات‬        ‫للكلمة‪“ :‬في الموسيقي نحتفي بفتح‬     ‫كما لو أنه دلالة جوهرية (بالمعني‬
   ‫الموسيقيين‪ .‬ولكن؛ حتى تطيع‬
‫الأصوات هل لا بد منها؟ إنها هنا؛‬     ‫آذاننا‪ ..‬بالموسيقى؛ تتخد الحياة‬       ‫الذي يوضحه من خلاله ج ج‬
   ‫يهمني أن تكون هنا عوض أن‬          ‫لها معنى”(‪ )6‬كما لو أن الصمت‬       ‫ناتياز ‪ ،))5(J.J. Nattiez‬ليس له‬
     ‫تكون برغبة الموسيقيين”(‪.)8‬‬
      ‫سوف تؤلف استعادة قيمة‬             ‫آداب اللحظة‪ ،‬يشارك مفهوم‬          ‫من مرجعية في الآن نفسه‪ .‬كل‬
     ‫الصمت عند كاج وما يرافقه‬          ‫الصمت عند كاج هذه القسمة‬          ‫تشتت صوتي هو ملغى؛ الفراغ‬
     ‫من جمالية ما يمكن تسميته‬      ‫الكبرى لما بعد الحداثة التي تعطي‬
     ‫بـ»استعادة سحر”(‪ )9‬العالم‪.‬‬                                            ‫الموسيقي؛ الغياب يتحول إلى‬
  ‫وفي هذا الإطار سوف يجد كاج‬             ‫قيمة متجددة للحاضر؛ هذا‬           ‫فراغ صوتي‪ ،‬وهو ما سيدفع‬
 ‫تلك الأفكار النمطية القديمة التي‬   ‫الشيء الذي على اللحظة كما هي‬            ‫المستمع للمشاركة بدوره في‬
    ‫تحتفي بالهوية الأساسية بين‬                                         ‫المقطوعة‪ ،‬وهو سيتوجه بالأساس‬
      ‫الإنسان والصوت والكون‪.‬‬           ‫معيشة‪ :‬اغتنام ما هو حاضر‪.‬‬        ‫إلى العمل الحدسي للمؤلف‪ ،‬ولن‬
 ‫يأخذ الإصغاء للصمت إلى إعادة‬       ‫الصمت عند كاج هو هذه البرهة‬        ‫يتعلق كثي ًرا بالانفعالي أو العاطفي‬
     ‫تأكيد الانتماء للإنسان حيث‬                                        ‫المحسوبين على الموسيقي النغمية‪.‬‬
    ‫تتعلق كينونته؛ وقود الكائن؛‬         ‫(الديمومة وفق تعبير باتاي)‬      ‫ليس فقط في “‪4‬دق ‪33‬ث” يتخذ‬
                                     ‫(‪ )7‬التي تثبت الحاضر؛ اللحظة؛‬       ‫الصمت شك ًل‪ ،‬يصبح شك ًل بل‬
                ‫صوت الأصول‪.‬‬          ‫تنكر نهائيًّا وظيفتها الكلاسيكية‬     ‫يصبح عم ًل فنيًّا‪ :‬دونما دلالة‬
   ‫يربطنا الصمت وفق جون كاج‬                                            ‫أخرى غير ذاته التي هي الصمت؛‬
                                        ‫كاستراحة موسيقية‪ ،‬توقف‬
     ‫بصمت آخر؛ صمت الشعر‪/‬‬                         ‫مؤقت لخطية ما‪.‬‬                    ‫التي هي الموسيقي‪.‬‬
    ‫الموسيقي ملتبسة بالأصل في‬                                              ‫لم يعد ثمة مجال للسؤال عما‬
 ‫موسيقي جامعة لا نهائية بكماء؛‬     ‫صمت “‪4‬دق ‪33‬ث” يتآلف (وفق‬                ‫يقصده العمل الموسيقي وعما‬
     ‫موسيقي الأصول هذه ‪-‬كما‬         ‫المصطلح البصري) بالصمت بما‬             ‫يعبر عنه‪ ،‬بل كيف يكون وما‬
   ‫موسيقي جون كاج‪ -‬تقول لنا‬                                               ‫الذي ك َّونه‪ .‬وهو يتخصص في‬
                                      ‫هو قبول للحاضر‪ :‬يهب نفسه‬           ‫الصمت كما هو يوغل كاج نحو‬
         ‫هدفها الاسمى‪ :‬الصمت‬          ‫ل ُيسمع‪.‬إعادة القيمة للصمت في‬       ‫الأبعد حسب رأيي؛ لمَّا يتملص‬
                                     ‫ذهن مؤلفنا الموسيقي بالتوازي‬        ‫من أي رابط نظري إلا ما يمكنه‬
                                    ‫مع تفكير ما بعد الحداثة يؤسس‬         ‫من إيجاد الهوية الأكثر تأصي ًل‬
                                       ‫رابطة تأليفية‪ ،‬وبالطبع رابطة‬

                                        ‫أخرى مع العالم‪ .‬لم يعد كاج‬
                                        ‫يؤلف وقت المصطلح العادي‬
                                     ‫“يترك العالم يكون”‪ .‬في القاعدة‬

                                                                       ‫الهوامش‪:‬‬

 ‫‪ -1‬من المهم؛ التأكيد أن الصوت في أغلب الأساطير الخلاقة؛ يمتلك بالفعل سلطة الخلق؛ فع ًل إنه منبع الصواتية في‬
‫العالم‪“ .‬الصامت الأكبر” في الهند و”الصائح الأكبر في أمريكا” يلتقيان عند نفس درجة الخلق‪ ،‬تناسل صواتي حيث‬

                                                         ‫الطبيعة وأتباعها يتوالدون من نفس الصوت الأصيل‪.‬‬
                                                      ‫‪ -2‬جون كاج‪ .‬للعصافير‪ .‬باريس‪ .‬بلفون ‪ .1976‬ص‪.31‬‬

                                                          ‫‪ -3‬من هنا يأتي سبب هذا الكتاب كمؤلف موسيقي‪.‬‬
                     ‫‪ -4‬شايتال اندري “عرض” بين الشكل والذكاء روبير كلاين‪ .‬باريس غاليمار ‪ 1976‬ص‪.21‬‬
‫‪ -5‬يقصد كل معنى يحيل إلى أشكال لعلاقات بين الوحدات الموسيقية‪ ،‬ج ج ناتياز‪ ،‬موسيقية عامة وجمالية باريس‬

                                                                                         ‫كريستان بورجوا‪.‬‬
                                                       ‫‪ -6‬جون كاج‪ .‬للعصافير‪ .‬باريس‪ .‬بلفون ‪ 1976‬ص‪.54‬‬
                         ‫‪ -7‬المقصود هنا جورج الكاتب جورج باتاي والديمومة مصطلح من عند باتاي‪ .‬المترجم‪.‬‬
                                                      ‫‪ -8‬جون كاج‪ .‬للعصافير‪ .‬باريس‪ .‬بلفون ‪ 1976‬ص‪.149‬‬
                           ‫‪ -9‬فاتيمو جيانو “هيدجر الشعر كاستعادة للحياة” ميلنفالترنالي ‪ 1983‬ص‪.95 -76‬‬
   280   281   282   283   284   285   286