Page 261 - m
P. 261

‫‪259‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫حوار‬

           ‫الإسراف في الشيء‬          ‫لا أنكر الأسباب التي ساقتني‬      ‫كثي ًرا ما نخترع أنفسنا وننفيها‪،‬‬
  ‫حين كان يسكر ويغني حتى‬                                  ‫إلى هنا‪،‬‬      ‫فأنا رجل لا أتصالح بسهولة‪،‬‬
                                                                             ‫بسوء ظن أو حسن ظن‪،‬‬
                      ‫الصباح‪.‬‬      ‫من الممكن أن تكون دنيئة‪ ،‬ملفقة‬            ‫كما تتصالح الحروف في‬
 ‫بربكم كيف يقضي المرء أيامه‬                 ‫تم تطهيرها بالأعراف!‬                            ‫الكلمات‪،‬‬
                                                                           ‫وأختلف مع نفسي قبل أن‬
    ‫دون إسراف في طحنها بين‬         ‫لا أنوي استئناف ما يترتب عليَّ‪،‬‬                      ‫تختلف معي‪،‬‬
                 ‫الراح والراح!‬           ‫فالكل مستأنف لا محالة؛‬           ‫لا أجيد اللف والدوران كما‬
                                             ‫المحكمة والحاكم وأنا‬                      ‫تفعل الأرض‪،‬‬
   ‫ولكن دعونا نتفاهم هنا وقد‬                                                      ‫وكما يخاتل القمر‪..‬‬
                       ‫وصلنا‪،‬‬      ‫على استعداد لتجرع كأس السم‪،‬‬         ‫غادرت بلا أسف مدينة غدرت‬
                                            ‫على شريعة الأسلاف‪..‬‬            ‫بي ولم يشبع حبها قلبي‪..‬‬
  ‫أمام أي محكمة أعترف‪ ،‬ومن‬                                 ‫أعترف‬       ‫لقد حان وقتي المناسب لأرسم‬
                    ‫أجل ماذا؟‬                                               ‫زهرة الترياق على جبيني‪،‬‬
                                        ‫أن ليست من حياة معقولة‬        ‫أرسم نفسي كما ترسم الظلال‬
 ‫فأنا أريد محكمة لا ريب فيها!‬                ‫تستغني عن أحلامها‪،‬‬                     ‫نفسها بلا ريشة‪،‬‬
 ‫وسؤالك‪« :‬كيف أرى قصيدتي‬                    ‫وأني مارست الغواية‪،‬‬         ‫تفرش ماضيها على حاضرها‬
                                                                                        ‫حتى النهاية‪.‬‬
  ‫في المشهد الشعري العربي؟»‬              ‫وشعائر تأويل العلامات‪،‬‬
‫أنا لا أراها‪ ،‬لا في الواقع ولا في‬                   ‫وقراءة الرؤيا‪،‬‬
‫الخيال في أي مشهد شعري‪ ،‬لا‬
                                                 ‫ليس تجنبًا للقدر‪،‬‬
  ‫عربي ولا غيره‪ ..‬إنها مغتربة‬       ‫إنما لتحمل آلامه القادمة بسقم‬
 ‫مثلي تجهل طريق المسرح‪ ،‬ولم‬
‫تدخله يو ًما‪ ،‬وإذا دخلته صدفة‬                               ‫مرير‪.‬‬
  ‫لا أعتقد أنها قادرة أن تعرف‬        ‫حين يزهر الزمان باشتقاقاته‬
 ‫الخروج منه‪ ،‬ستتعثر بأذيالها‬
‫مثل طفلة صغيرة أمام الرجال‪،‬‬                               ‫المجازية‬
 ‫عذراء لم تكشف نفسها لكائن‬            ‫ماذا يقول الكائن إزاء ترادف‬
 ‫من قبل‪ ..‬لهذا خير لها أن تظل‬
  ‫بعيدة‪ ،‬متفرجة على ما يحدث‬                     ‫الأضداد وتفككها‪،‬‬
 ‫وبصم ٍت تا ٍم‪ ،‬قد تجد بجوارها‬        ‫حين يكشف المستقبل عورته‬
  ‫من يأنس بصحبتها مثلك‪ ،‬أو‬
 ‫من يهملها لغرابتها واغترابها‪.‬‬          ‫ونكون‪ ،‬آنذاك‪ ،‬مستسلمين‬
                                        ‫تمسح الريح وجوهنا رأفة‬
       ‫قصيدتك متفردة وشكل‬
‫شعري قائم بذاته لا يشبه أح ًدا‬                      ‫ببقايا السنين؟‬
 ‫‪-‬هكذا أراها‪ -‬تقوم على المجاز‬                           ‫يا لبؤسه‪،‬‬

     ‫والغرائبي وذكر التفاصيل‬        ‫وحده المستقبل يحتفي بالبقايا‪،‬‬
   ‫الخاصة بموضوع القصيدة‬           ‫ينتظر نذورنا المتأخرة المضمونة‬
    ‫بشكل ساحر ومتقن‪ ،‬لكني‬
                                                           ‫سل ًفا‪..‬‬
      ‫أؤمن أن الشعر هو العالم‬                             ‫وأعترف‬
‫الخاص لكل شاعر مهما تعددت‬          ‫أني أسرفت كثي ًرا في ع ِّد النجوم‬
 ‫مواهبه ستراه مجر ًدا فيه‪ ،‬أين‬                        ‫في الظهيرة‪،‬‬
                                   ‫وأسرفت في تلوين السماء حتى‬
   ‫يوميات يحيى الشيخ وعالمه‬                 ‫لم يعد للشمس سماء‪،‬‬
          ‫الخاص من أشعاره؟‬            ‫وأسرفت في المكوث طوي ًل في‬
                                                       ‫قلب النخلة‬
                                      ‫حتى لم يعد للشياطين مكا ًنا‬
                                          ‫كثي ًرا ما حذرني أبي من‬
   256   257   258   259   260   261   262   263   264   265   266