Page 195 - m
P. 195

‫‪193‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

  ‫الجدل والنقاش في العقائد‬      ‫الكندي والفارابي وابن سينا‬                     ‫تاريخ الفكر الإنساني‪.‬‬
  ‫الإسلامية‪ ،‬مما مكنهم من‬         ‫وابن رشد‪ .‬وقرروا أنها لم‬                ‫فقد اتجه بعض المستشرقين‬
 ‫الرد على الخصوم ومجادلة‬            ‫تنجب فلسفة أو فلاسفة؛‬
    ‫المذاهب الأخرى بالحجج‬         ‫لأن أبناءها من ذلك الجنس‬                        ‫إلى التأريخ للفلسفة‬
                                   ‫السامي‪ ،‬الذي لا يقدر على‬                ‫الإسلامية بنظرة عنصرية‪،‬‬
        ‫العقلية والمنطقية(‪.)3‬‬         ‫نظم التفاصيل المتناثرة‬
     ‫أما حركة ترجمة الكتب‬            ‫في أنساق فكرية مكتملة‬                   ‫واختطوا لأنفسهم منه ًجا‬
  ‫اليونانية إلى اللغة العربية‪،‬‬                     ‫وشاملة‪.‬‬                  ‫يتفق وأغراضهم‪ ،‬وعرفوا‬
‫والتي لم يؤ ِّد الأمويون فيها‬      ‫وقد لا نجانب الصواب إذا‬                  ‫الفلسفة الإسلامية تعري ًفا‬
‫دو ًرا كبي ًرا‪ ،‬ورغم ذلك عرف‬       ‫قلنا إن الفلسفة الإسلامية‬
  ‫المسلمون كثي ًرا من العلوم‬            ‫عانت أكثر من بعض‬                       ‫يحيلها على موضوعات‬
‫في أبان حكم الدولة الأموية‪،‬‬           ‫رجال الدين الإسلامي‬                    ‫الفلسفة اليونانية؛ ولذلك‬
     ‫مثل الكيمياء والهندسة‬          ‫الذين هاجموا دخولها في‬                ‫فقد مضوا يتعقبون الفلسفة‬
  ‫وبدأت هذه العلوم تتسرب‬           ‫قضايا الغيبيات؛ لأن هذه‬                    ‫الإسلامية عند المشائين‪:‬‬
   ‫إلى العالم الإسلامي حتي‬       ‫القضايا –في رأيهم– لا يمكن‬
     ‫جاءت الدولة العباسية‪،‬‬         ‫الوصول لها إلا عن طريق‬      ‫ـــــفة الإسلامية‬
 ‫فبدأت معها حركة الترجمة‬          ‫النص الديني‪ ،‬وكل محاولة‬
                                    ‫للوصول إليها عن طريق‬
           ‫بداية حقيقية(‪.)4‬‬
      ‫لكن في العهد العباسي‬      ‫العقل والرأي فهي مخالفة لما‬
   ‫وبخاصة في عهد الخليفة‬          ‫قرره الوحي أو ًل‪ ،‬ومخالفة‬
‫العباسي أبي جعفر المنصور‬             ‫أي ًضا لما تحدده الأدوات‬
 ‫(‪158 -136‬هـ)‪ ،‬فقد أعطي‬
  ‫الأمر بترجمة بعض الكتب‬        ‫العلمية من أنه لا سبيل للعقل‬
    ‫اليونانية القديمة‪ ،‬ثم تم‬    ‫في معرفة الغيبيات والخوض‬
  ‫التوسع في مجال الترجمة‬        ‫فيها‪ ،‬وكل خو ٍض للعقل فيها‬
    ‫إبان عهد الخليفة هارون‬       ‫بمعزل عن الوحي فهو خب ٌط‬
  ‫الرشيد (ت‪193‬هـ) عندما‬
     ‫أمر ُيوحنا بن ماسويه‪،‬‬                 ‫في التيه بلا دليل‪.‬‬
 ‫بترجمة الكتب القديمة التي‬      ‫لقد تأثرت الفلسفة الإسلامية‬
   ‫عثر عليها بمدينتي أنقرة‬
‫وعمورية وسائر بلاد الروم‪،‬‬             ‫بالثقافات والحضارات‬
 ‫فأشرف على عملية الترجمة‬             ‫الأخرى مثل‪ :‬الحضارة‬
 ‫من اللغات القديمة إلى اللغة‬
                                       ‫الفارسية‪ ،‬واليونانية‪،‬‬
                   ‫العربية‪.‬‬     ‫ومعتقدات اليونان واهتمامهم‬
 ‫ولقد أكد الوضع السياسي‬
                                  ‫البالغ بالعقل‪ ،‬وتقليلهم من‬
     ‫والاجتماعي في العصر‬          ‫الأعمال اليدوية والحرفية‪،‬‬
‫العباسي على دعم الترجمات‪،‬‬
                                      ‫فنقل العرب عنهم ذلك‪،‬‬
   ‫ولم يتلق الفلاسفة العرب‬            ‫وتأثروا بهم‪ ،‬وبخاصة‬
 ‫الترجمات بشكل سلبي‪ ،‬بل‬
‫قاموا باستيعاب هذه الأفكار‬               ‫أفلاطون وأرسطو‪.‬‬
                                    ‫ونتج عن تفاعل المسلمين‬

                                        ‫مع الثقافات المختلفة‬
                                   ‫تشكيل عقلية منطلقة نحو‬
   190   191   192   193   194   195   196   197   198   199   200