Page 192 - m
P. 192

‫العـدد ‪57‬‬                              ‫‪190‬‬

                                 ‫سبتمبر ‪٢٠٢3‬‬                        ‫منطق‪ ،‬لذلك ابتدع فلسفته‬
                                                                         ‫الخاصة التي أسماها‬
 ‫جاري للسخرية من الإيمان‬                ‫ازدهارها إبان حياته‪.‬‬
  ‫بالجهد البشري الذي يرى‬             ‫ولكن ما يميز جاري عن‬         ‫بالباتافيزيقية ساخ ًرا بها من‬
‫(جاري) أنه مهما ارتقى يظل‬        ‫الرمزيين هو افتقاده للايمان‬        ‫كل الفلسفات الميتافيزيقية‪.‬‬
                                     ‫بوجود عالم روحى وراء‬           ‫لقد رأى جاري أن الحدس‬
               ‫محدو ًدا»(‪.)13‬‬       ‫الظواهر الطبيعية‪ ،‬تكتسب‬        ‫والعقل كلاهما مضلل‪ ،‬وأن‬
  ‫لقد قدم عالمًا مقلو ًبا يسيره‬  ‫فيه الظواهر العارضة معناها‬          ‫الخيال هو الأداة المعرفية‬
  ‫المنطق الصوري ‪-‬ظاهر ًّيا –‬          ‫الكلى وحقيقتها الخالدة‪.‬‬            ‫التي ينبغي للفنان أن‬
  ‫ولكن تحت حقائق مغايرة‪،‬‬          ‫وكان في هذا أقرب إلى كتاب‬       ‫يتوسل بها عبر الباتافيزيقا‪،‬‬
 ‫وبالتالي تكون النتيجة عبثية‬       ‫العبث منه إلى الرمزيين(‪.)12‬‬      ‫فبالخيال يمكن أن يتخطى‬
                                                                       ‫الإنسان حدود العالمين‬
      ‫ومضحكة حيث تصبح‬                    ‫فالرمزية ترى العالم‬           ‫الفيزيقي والميتافيزيقي‪،‬‬
  ‫العبودية هي الحرية المطلقة‬           ‫ك ًّل واح ًدا وتحاول من‬           ‫ويصبح مجال الفنان‬
                                      ‫خلال وسائلها الفنية أن‬        ‫مغاي ًرا لمجال العالم ولمجال‬
                      ‫مث ًل‪.‬‬          ‫تظهر الانسجام الداخلي‬                       ‫الفيلسوف‪.‬‬
      ‫وعلى ذلك فالباتافيزيقا‬           ‫لهذه الوحدة من خلال‬           ‫وصف جاري الباتافيزيقا‬
     ‫تتأسس جماليًّا على عدة‬         ‫المعاني الكامنة في الرموز‪.‬‬        ‫بأنها‪ :‬العلم الذي يشرح‬
   ‫عناصر رئيسة‪ ،‬أولها هدم‬            ‫وهي بذلك تضع تصو ًرا‬          ‫منطقة ما بعد الميتافيزيقية‪.‬‬
   ‫المنطق الصوري‪ ،‬وخلخلة‬              ‫ميتافيزيقيًّا كام ًل لرؤية‬    ‫إنها علم الحلول المنصورة‬
  ‫العلاقة بين مسمى الشيء‬         ‫الحقيقة في إهمال تام لتجاور‬         ‫أو الخيالية‪ ..‬ومن خلالها‬
  ‫وطريقة تنفيذه‪ ،‬والديمومة‬           ‫المتناقضات لانتظامها في‬        ‫نصل إلى مستوى آخر من‬
       ‫أو الأبدية حيث يلتقي‬                                         ‫مستويات الوجود ونحقق‬
‫الماضي بالمستقبل هنا والآن‪،‬‬                          ‫وحدة‪.‬‬         ‫وعيًا لا يمكن تحقيقه‪ .‬وبها‬
      ‫والدهشة كأثر جمالي‪.‬‬          ‫ولكن العالم في نظر جاري‬
      ‫وتتعدد المصادر الفنية‬      ‫هو كم من الظواهر العارضة‪.‬‬        ‫نصل إلى القوانين التي تحكم‬
  ‫للباتافيزيقا‪ ،‬ولكن يأتي في‬      ‫لذلك حاول جاري أن يبتعد‬           ‫العوارض والاستثناءات في‬
                                  ‫عن تأمل الرمزيين وتعاليهم‬        ‫الكون بحيث تكتشف العالم‬
                  ‫مقدمتها‪:‬‬           ‫وتصوفهم الروحي‪ ،‬وأن‬            ‫الذى يكمل عالمنا التقليدي‪.‬‬
     ‫أ‪ -‬اللعب الإيهامي عند‬                                              ‫لقد كان جاري يحاول‬
   ‫الأطفال‪ ،‬الذي يتظاهر فيه‬            ‫يستشف عوالم جديدة‬               ‫عن طريق فلسفته هذه‬
‫الطفل بأنه يشرب من فنجان‬                 ‫ومناطق وعي خارج‬             ‫أن يستشف عوالم جديدة‬
    ‫وهمي أو يمتطي صهوة‬                                             ‫ومناطق وعى جديدة خارج‬
‫جواد وهمي باستخدام ما هو‬           ‫العوالم المنظورة والنظريات‬      ‫العوالم المنظورة والنظريات‬
 ‫في متناول الطفل كالكراسي‬          ‫الميتافيزيقية‪ ،‬فكان منظوره‬      ‫الميتافيزقية التقليدية‪ ،‬وكان‬
‫والمساند‪ ،‬حيث يسمح الخيال‬                                           ‫في هذا متأث ًرا إلى حد كبير‬
 ‫بإكمال صورة الشيء كاملة‬               ‫الجمالي الذي يعمد إلى‬         ‫بالرمزيين‪ ،‬إذ لا يجب أن‬
    ‫في خيال الطفل‪ ،‬وبحسب‬             ‫هدم المنطق الصوري من‬           ‫ننسى أن جاري بدأ حياته‬
   ‫ما يجده في متناوله‪ ،‬دون‬        ‫ناحية‪ .‬وكسر حاجز الغلاف‬            ‫شاع ًرا رمز ًّيا تحت جناح‬
‫شروط موضوعية أو منطقية‬           ‫الميتافيزيقي من ناحية أخرى‬        ‫المدرسة الرمزية في الشعر‪،‬‬
‫تجعل هذه القطعة أو تلك هي‬            ‫للوصول إلى عالم مغاير‪.‬‬        ‫تلك المدرسة التي بلغت أوج‬
                                      ‫وكانت الباتافيزيقا التي‬
                   ‫الأصلح‪.‬‬          ‫كرسها من أجل استخدام‬
 ‫ب‪ -‬الأساطير وهي مصدر‬              ‫المنطق المحض للبرهنة على‬
                                     ‫أن نتائج المنطق تقود إلى‬
      ‫آخر من المصادر الفنية‬      ‫اللامعنى‪ .‬وتلك كانت وسيلة‬
      ‫للباتافيزيقا بما تطرحه‬
   187   188   189   190   191   192   193   194   195   196   197