Page 195 - m
P. 195

‫‪193‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

  ‫كانت تتناول عمليات القتل‬         ‫مسخ شائه لمسرحية مكبث‪،‬‬              ‫الخاصة‪ ،‬بل شخصيات‬
    ‫والخيانة والتآمر‪ ،‬وكذلك‬        ‫وأن بعض ملامح شخصية‬            ‫خلقت من خيال مبدعها لتعبر‬
     ‫الخلط بين عوالم واقعية‬
 ‫وخرافات ميتافيزيقية في آن‬            ‫هاملت تتجسد في إحدى‬            ‫عن قيمة ما أو فئة ما من‬
                                         ‫شخصيات المسرحية‪.‬‬          ‫البشر‪ .‬واستطاع جاري عبر‬
                     ‫واحد‪.‬‬
       ‫وكانت خشبة المسرح‬            ‫وفي مقدمة المسرحية يلفت‬           ‫فلسفة التهريج أن يجعل‬
    ‫هي المكان الذي يرى فيه‬          ‫المترجم إلى أن جاري يشير‬        ‫من هذا التهريج وما به من‬
      ‫المشاهد هذا العالم بكل‬                                       ‫فوضى صورة كاريكاتورية‬
 ‫ظواهره الطبيعية وعلاقاتها‬             ‫إلى هذا التقارب في أكثر‬       ‫لفوضوية الكون والوضع‬
‫الميتافيزيقية‪ .‬فخشبة المسرح‬         ‫من مناسبة‪ :‬أو ًل في إهدائه‬
       ‫الإليزابيتي كما يقول‬       ‫المسرحية إلى مارسيل شوب‬                          ‫الإنساني‪.‬‬
 ‫فرنسس فرجسون في كتابه‬                                             ‫وهو لم يتخل عن عادة إلقاء‬
‫"فكرة المسرح" هو تلك المرآة‬           ‫وهي مدينة في الدانمارك‬      ‫خطاب قبل بداية العرض كما‬
  ‫التي تعكس في حياة زمنها‬           ‫تدور فيها أحداث مسرحية‬
     ‫تمثي ًل رمز ًيا لهذا العالم‬  ‫هاملت‪ ،‬ثم في نهاية المسرحية‬        ‫كان يفعل مؤلفو الرومان‪.‬‬
 ‫التقليدي‪ ،‬ولهذا كانت تؤخذ‬         ‫حينما أشار مرتين إلى قصر‬        ‫ثالثا‪ :‬المسرح الإليزابيثي‪:‬‬
‫على أنها مشهد حياة الإنسان‬        ‫السينور في المشهد الرابع من‬
  ‫الفيزيقي والميتافيزيقي على‬                                                    ‫يقول هاملت‪:‬‬
 ‫السواء(‪ .)16‬أما كيفية تجسيد‬                 ‫الفصل الخامس‪.‬‬         ‫لقد سمعت أن الأشرار وهم‬
 ‫هذه العوالم المتباينة ظاهر ًّيا‬  ‫لكن الصلة بين الفريد جاري‬
  ‫وذوبانها في عالم واحد كما‬        ‫والمسرح الإليزابيثي لا تقف‬                       ‫يجلسون‬
 ‫يرى خيال المؤلف المسرحي‬                                               ‫في المسرح تهز نفوسهم‬
    ‫في ذلك العصر فكان يتم‬           ‫عند هذا الحد‪ ،‬حد المحاكاة‬
  ‫عبر مجموعة من الوحدات‬              ‫التهكمية‪ ،‬ولكنها أبعد من‬                    ‫براعة المشهد‬
 ‫الرمزية الدالة وعلى المشاهد‬                                         ‫وسرعان ما يكشفون عما‬
  ‫أن يكمل صورة هذا العالم‬                               ‫ذلك‪.‬‬
                                         ‫فأهم ما يميز المسرح‬             ‫اقترفوا من جرائم(‪.)15‬‬
                    ‫بخياله‪.‬‬           ‫الإليزابيثي هو قدرة هذا‬               ‫(هاملت ف‪ ،2‬م‪)2‬‬
   ‫لقد كان الديكور في عصر‬                 ‫المسرح على الاتصال‬
    ‫شكسبير رمز ًّيا يعتمد في‬       ‫بالجماهير‪ ،‬وإشاعة جو من‬              ‫ويقول جاري في مقال‬
  ‫رسم المناظر على استخدام‬              ‫الاحتفالية دون الإخلال‬        ‫«مسائل في المسرح» الذي‬
                                       ‫بتقديم عمل مسرحي لا‬        ‫نشره في «الجريدة البيضاء»‪:‬‬
     ‫بعض المفردات البسيطة‬           ‫يزال حتى يومنا هذا قاد ًرا‬       ‫لقد أردت عند رفع الستار‬
  ‫للإيحاء بالمكان (كاستخدام‬          ‫على تحقيق جوهر العملية‬         ‫أن يقابل المتفرج المنظر مثل‬
                                   ‫الدرامية‪ ،‬بل ولا يزال يطرح‬     ‫المرآة ‪-‬في الحكايات الخرافية‬
    ‫فرع شجرة مث ًل للإيحاء‬        ‫العديد من الأسئلة الجوهرية‬       ‫للسيدة ليرانيس دي بيومن‬
  ‫بمنظر غابة أو مكان ريفي‬                ‫عن الكون والإنسان‪.‬‬        ‫‪-Lerrince De Beaumon‬‬
  ‫أو استخدام شعلة للإيحاء‬           ‫لقد كان المسرح الإليزابيثي‬      ‫حيث يرى الفاجر أو الداعر‬
 ‫بالظلام)‪ ،‬وكان يعتمد أي ًضا‬      ‫العاري يمثل الديكور والمكان‬         ‫نفسه بقرون ثور وجسد‬
                                     ‫الخيالي العام في آن واحد‪.‬‬     ‫تنين حسب بشاعة نقائصه‪.‬‬
      ‫على التمثيل في الإيحاء‬         ‫فقد وظف طابعه المحايد‪..‬‬           ‫عندما عرضت مسرحية‬
 ‫بالزمان والمكان (كاستخدام‬          ‫توظي ًفا إيحائيًّا ما استطاع‬    ‫أوبو مل ًكا لألفريد جاري في‬
 ‫الهمس والخطوة المتلصصة‬           ‫أن يكون كل الأمكنة م ًعا على‬      ‫العاشر من ديسمبر ‪1896‬‬
                                   ‫مستوى التجسيد والخيال"‪.‬‬          ‫أثارت ما أثارت من الضجة‬
                                        ‫كذلك الموضوعات التي‬
                                                                         ‫وكانت الظاهرة الملفتة‬
                                                                    ‫للنظر هو مقارنتها بأعمال‬

                                                                       ‫شكسبير من حيث إنها‬
   190   191   192   193   194   195   196   197   198   199   200