Page 196 - m
P. 196

‫العـدد ‪57‬‬                            ‫‪194‬‬

                                 ‫سبتمبر ‪٢٠٢3‬‬                     ‫في الإيهام بالتسلل إلى مكان‬
                                                                ‫لي ًل على سبيل المثال)‪ .‬وكان‬
 ‫بعد تطبيق منطق الأسطورة‬              ‫‪-‬حتى على مستوى عدد‬
  ‫عليها أكسبها طاب ًعا جدي ًدا‬   ‫الشخصيات‪ ،‬بأن يحل جندي‬            ‫الوصف الشعري اللغوي‬
    ‫تتمتع فيه بأبدية أحداثها‬                                       ‫الموحي يلعب دو ًرا حيو ًّيا‬
      ‫وغياب جوانب المعاناة‬          ‫واحد في مشهد المعركة في‬         ‫في استثارة خيال المتفرج‬
 ‫داخل الشخصيات وعمليات‬           ‫مسرحية أوبو مل ًكا‪ -‬هو أكثر‬         ‫ودفعه إلى تصور المنظر‬
                                                                 ‫المسرحي‪ ،‬وقد نتج من هذه‬
‫التحليل النفسي التي توضح‬          ‫صد ًقا من الناحية الفنية من‬     ‫الحال أن تميزت النصوص‬
  ‫دوافع الشخصيات وما إلى‬           ‫تجمع عدد كبير من الجنود‬      ‫المسرحية في عصر شكسبير‬
  ‫ذلك‪ ،‬فتكتسب الأفعال آلية‬                                        ‫بنوع من التحرر والسيولة‬
  ‫مغايرة وتصبح غريزية في‬                  ‫على خشبة المسرح‪.‬‬
   ‫أقوى صورها فجاجة(‪.)19‬‬            ‫هذا ليس للتغريب فحسب‬              ‫التي قربتها من طبيعة‬
                                 ‫بل لدخول ذلك العالم الخيالي‬     ‫السينما‪ ،‬فانقسمت فصولها‬
 ‫«أوبو مل ًكا» وبذور‬                ‫الذي أراده جاري بطريقة‬
       ‫العبث‬                       ‫تبتعد عن تقاليد المسرح في‬       ‫إلى مشاهد قصيرة تنتقل‬
                                    ‫عصره‪ ،‬في محاولة لتجنب‬           ‫بسرعة وحرية في المكان‬
  ‫على الرغم من أن مسرحية‬             ‫أدوات الواقعية الساذجة‬     ‫والزمان‪ .‬وكما يقول د‪.‬لويس‬
   ‫"أوبو مل ًكا" لم تعرض إلا‬                                     ‫عوض في كتابه "البحث عن‬
   ‫مرات معدودات فقد أجمع‬               ‫والتعبير عما هو أبدي‪.‬‬     ‫شكسبير" لم يكن شكسبير‬
‫النقاد على أنها أساس مسرح‬         ‫فلقد أراد جاري أن يعود إلى‬      ‫بحاجة إلى بناء مسرحياته‪،‬‬
  ‫اللامعقول أو مسرح العبث‬                                        ‫لأن جمهوره هو الذي يقوم‬
‫أو مسرح الطليعة أو المسرح‬            ‫ذلك المسرح الذي كان قد‬         ‫ببنائها عو ًضا عنه بعقله‬
                                   ‫وصفه بأنه مسرح لا يرى‬         ‫وخياله وطريقة استجابته‪..‬‬
     ‫الجديد‪ ،‬أو غير ذلك من‬        ‫أصحابه ضي ًرا في الاعتراف‬       ‫إن مسرح شكسبير تذكرة‬
    ‫الأسماء التي أطلقت على‬                                      ‫دائمة لنا بأن المادة المطلقة لا‬
 ‫موجة مسرح الخمسينيات‪.‬‬                ‫بأنه مسرح غير واقعي‪،‬‬      ‫تزال قادرة على الحياة وأنها‬
‫فهذا ليونار برونكو‪ ،‬في كتابه‬          ‫وهو المسرح الذي تمثل‬        ‫أقوى من كل ما يرسم لها‬
 ‫عن مسرح الطليعة يؤكد أن‬              ‫لآخر مرة في مسرحيات‬
  ‫جارى‪ ،‬هو الذى أسس هذا‬          ‫العصر الإليزابيثي وفى عصر‬                    ‫من حدود(‪.)17‬‬
   ‫المسرح‪ :‬لقد أسس جاری‪،‬‬            ‫الكوميديا دي لارتي"(‪.)18‬‬           ‫ولقد فضل جاري أن‬
  ‫دراما الطليعة في عمل يعبر‬          ‫وعندما تعامل جاري مع‬           ‫يستخدم الممثل ما أسماه‬
    ‫عن ثورته المزدوجة ضد‬         ‫مسرح شكسبير أخذ يتعامل‬           ‫بالإشارة العالمية أو الجملة‬
      ‫المجتمع وضد الأشكال‬         ‫مع العوالم الخرافية كظهور‬           ‫المعبرة العالمية بد ًل من‬
‫(الفنية) القائمة‪ .‬إن مسرحية‬        ‫الأشباح في هاملت بصورة‬         ‫الاعتماد على اللغة‪ ،‬وفضل‬
                                    ‫هزلية‪ ،‬فدمج بين الطبيعي‬            ‫استخدام الأقنعة على‬
       ‫"أوبو مل ًكا"‪ ،‬إرهاص‬           ‫متمث ًل في معاناة هاملت‬    ‫المكياج المسرحي‪ ،‬كما فضل‬
 ‫بمسرح بيکيت ويونسكو‬              ‫وبين الميتافيزيقي المتمثل في‬    ‫استخدام اللوحات المكتوبة‬
                                 ‫الشبح الذي يطالب بالانتقام‪،‬‬       ‫للدلالة على المكان بد ًل من‬
     ‫وذلك بسبب المبالغة في‬         ‫فإذا به يجعل الشبح يعطي‬        ‫تغيير الديكور‪ ،‬وذلك إيما ًنا‬
‫الغرابة‪ ،‬وبساطة التشخيص‪،‬‬            ‫هاملته الجديد "بوجريلا"‬       ‫منه بأن اللوحة أكثر دلالة‬
                                 ‫سيفا حقيقيًّا‪ ،‬فإذا به يخترق‬   ‫وإيحا ًء من أي منظر متكامل‬
    ‫والنقد الاجتماعي اللاذع‬         ‫العالم الميتافيزيقي بمزحة‬   ‫يخدع المشاهد‪ ،‬وبأن الإيحاء‬
 ‫وحرية التخريجات اللغوية‪.‬‬          ‫حقيقية وصو ًل إلى عالم ما‬

     ‫ويؤكد مارتن إيسلن أن‬                ‫بعد ما وراء الطبيعة‪.‬‬
   ‫جاري أثر تأثي ًرا عمي ًقا في‬     ‫كذلك فإن جاري وبتعامله‬
                                   ‫مع أحداث مسرحية مكبث‬
   191   192   193   194   195   196   197   198   199   200   201