Page 194 - m
P. 194

‫لارتي‪ -‬لم تكن تهدف إلا إلى‬      ‫تحتل الشخصية عند جاري المكانة‬
  ‫الإضحاك الفاحش المبتذل‪.‬‬     ‫الأولى‪ ،‬ويأتي بعدها كل شيء‪ ،‬فجاري‬

‫وجاري لم يكن منقطع الصلة‬        ‫يجعل من شخصيته الرئيسة‪ ،‬أوبو‪،‬‬
   ‫بالمصادر الأولى للكوميديا‬   ‫المصدر الرئيس للأحداث‪ ،‬وطب ًقا لبناء‬
        ‫دي لارتي والتي هي‬     ‫هذه الشخصية تتحدد مجموعة أحداث‬
  ‫الألعاب الشعبية الرومانية‪،‬‬   ‫المسرحية‪ .‬أما بقية الشخصيات فهي‬
                              ‫مجموعة من الأنماط البشرية التي تعبر‬
 ‫الفابوليات‪ ،‬ملاهي بلاوتس‪،‬‬     ‫عن شريحة ما من شرائح المجتمع أو‬
                       ‫إلخ‪.‬‬    ‫الشرائح الأخلاقية‪ ،‬وجميعها تدور في‬
                                ‫فلك أوبو وإن كان لكل منها مداره‬
‫يقول ولورث في كتابه مسرح‬
  ‫الاحتجاج والتناقض‪" :‬لقد‬                      ‫الخاص‪.‬‬
     ‫أراد جاري أن يعود إلى‬
    ‫ذلك المسرح الذي كان قد‬      ‫الرئيسة في القصة والدور‬             ‫ثان ًيا‪ :‬الكوميديا دي‬
  ‫وصفه بأنه مسرح لا يرى‬             ‫الذي يمثله"‪ ،‬ومن هنا‬          ‫لارتي‪ :‬شقت الكوميديا‬
 ‫أصحابه ضي ًرا في الاعتراف‬
     ‫بأنه مسرح غير واقعي‪،‬‬        ‫يأتي انطلاقه وتفاعله مع‬            ‫دي لارتى طريقها إلى‬
     ‫وهو المسرح الذي تمثل‬     ‫الجمهور‪ ،‬فليس هناك مجال‬          ‫الوجود فوق منصات الأداء‬
     ‫لآخر مرة في مسرحيات‬       ‫للإيهام بأن ما يحدث واقع‬        ‫بالأسواق والملاهي الشعبية‬

‫العصر الإليزابيثي وفي عصر‬        ‫أو ما إلى ذلك‪ .‬فهذا النوع‬        ‫وشخصياتها قد تولدت‬
  ‫الكوميديا دي لارتي"‪ .‬ففي‬        ‫من الفن كان له منظوره‬            ‫من المساخر الاحتفالية‬
 ‫أعماله استخدم الأقنعة ‪-‬بل‬        ‫الخاص للواقع‪ ،‬قائم على‬        ‫والكرنفالات حيث الأقنعة‬
  ‫طالب باستخدامها‪ -‬وخلق‬            ‫المبالغة في التصوير إلى‬        ‫والمهرجون قد خلقوا لها‬
   ‫شخصيات نمطية ثبت لها‬          ‫حد وجود شخصيات من‬            ‫نماذج خاصة(‪ ،)14‬هذه الروح‬
 ‫العديد من السمات والملامح‬        ‫جنيات الأحراش‪ .‬وخلق‬          ‫الاحتفالية التي كانت تسود‬
   ‫التي تظهر مدى وحشيتها‬           ‫هذه النماذج المتباينة في‬    ‫مثل هذه العروض إلى الحد‬
    ‫وحيوانيتها‪ ،‬فعلى المسرح‬   ‫صفاتها وأشكالها ووجودها‬         ‫الذي كان يدفع بالعرض إلى‬
‫تحدث أعمال القتل والتعذيب‬     ‫جمي ًعا جنبًا إلى جنب في هذه‬    ‫أن يمتد زمانيًّا حسب نوعية‬
      ‫بشتى الوسائل المعرفة‬      ‫العروض هو إطلاق لخيال‬             ‫المتلقي ومدى استجابته‬
 ‫وغير المعروفة‪ ،‬وفي مسرحه‬       ‫الفنان المبدع الذي استطاع‬         ‫لما يقدم‪ :‬تقوم بالأساس‬
  ‫يستخدم وسائل الكوميديا‬      ‫أن يك ِّون هذا العالم المفترض‪،‬‬    ‫الأول على طبيعة هذا الفن‬
  ‫الخشنة والتهريج "ليزي"‬         ‫والمغاير للواقع على الرغم‬      ‫الارتجالي "فالممثل لا يملك‬
‫‪ Lazzy‬بشتى صوره البدنية‬        ‫من أنها ‪-‬أي الكوميديا دي‬       ‫سوى سيناريو يحدد الأبعاد‬
   ‫مستعينًا بوسائل إضحاك‬
   ‫الفارس وتيمات الكوميديا‬
       ‫دي لارتي والعرائس‪.‬‬
   ‫ولقد استطاع جاري وعبر‬
      ‫فلسفة القناع أن يثبت‬
    ‫لشخصياته مجموعة من‬
‫السمات تعبر عن نوع ما من‬
    ‫البشر ليست لهم حياتهم‬
   189   190   191   192   193   194   195   196   197   198   199