Page 209 - m
P. 209

‫‪207‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

‫يوجين باربا‪..‬‬                         ‫وحين نذكر هؤلاء المجددين‬         ‫لقد مر المسرح العالمي‬
   ‫المخرج كمتفرج والممثل الدراماتورج‬   ‫يحلو لنا أن نطوف قلي ًل في‬
‫محمد رفيع‬                               ‫مشوار رائد أنثروبولوجيا‬            ‫بحركات متعاقبة من‬
                                       ‫المسرح يوجين باربا‪ ،‬ذلك‬               ‫محاولات التجديد‬
                                        ‫المسرحي الإيطالي المعاصر‬
                                      ‫الذي أسس مسرحه الخاص‬             ‫وتعميق المفاهيم ودراسة‬
                                                                         ‫كل الطقوس المسرحية‬
                                           ‫«مسرح الأودن»‪ ،‬وتلا‬             ‫والرقصات الشعبية‬
                                          ‫ذلك بتأسيس «المدرسة‬
                                           ‫العالمية لأنثروبولوجي‬      ‫والمسرحيات الصامتة على‬
                                           ‫المسرح»‪ ،‬والذي صاغ‬        ‫مستوى العالم‪ ،‬وخصو ًصا‬
                                                                    ‫في النصف الثاني من القرن‬
                                            ‫مفهوم أنثروبولوجيا‬        ‫العشرين‪ ،‬والسبب في ذلك‬
                                              ‫المسرح ومنحه ُبع ًدا‬   ‫هي التغيرات الجيوسياسية‬
                                          ‫يتقاطع فيه المسرح كفن‬
                                           ‫والأنثروبولوجيا كعلم‪.‬‬         ‫التي نتجت عن الحرب‬
                                            ‫أصدر باربا مجموعة‬       ‫العالمية الثانية‪ ،‬والتي أنتجت‬
                                         ‫مؤلفات ترجمت إلى لغات‬
                                          ‫عديدة من بينها العربية‪،‬‬      ‫‪-‬بطبيعة الحال‪ -‬تغيرات‬
                                        ‫أبرزها «زورق من ورق»‪،‬‬       ‫اجتماعية وفنية عديدة‪ ،‬منها‬
                                       ‫«المسرح‪ :‬العزلة‪ -‬الحرفة‪-‬‬
                                          ‫والثورة»‪« ،‬أرض الماس‬        ‫الدعوة للانفتاح على فنون‬
                                            ‫والرماد»‪ 26« ،‬رسالة‬        ‫الشرق الأقصى وأفريقيا‬
                                            ‫من جروتوفسكي إلى‬           ‫لتلمس التقاليد المسرحية‬
                                          ‫يوجين باربا»‪« ،‬سر فن‬         ‫لدى هذه الشعوب‪ ،‬وذلك‬
                                           ‫الأداء»‪« ،‬معجم المسرح‬        ‫ُكف ًرا ‪-‬وربما مل ًل‪ -‬من‬
                                        ‫الأنثروبولوجي»‪« ،‬مسيرة‬          ‫مركزية أوروبا بوصفها‬
                                         ‫المعاكسين‪ :‬أنثروبولوجيا‬
                                         ‫المسرح»‪« ،‬ما وراء الجزر‬         ‫وريث شرعي للمسرح‬
                                              ‫العائمة»‪« ،‬الإخراج‬     ‫الإغريقي‪ ،‬ومن ثم اعتبارها‬
                                        ‫والدراماتورجيا»‪ ،‬و»حرق‬      ‫لعقود طويلة الموطن الأصلي‬
                                       ‫البيت»‪ .‬شرح يوجين باربا‬       ‫للمسرح‪ ،‬غير أن الدراسات‬
                                           ‫في تلك المؤلفات منهجه‬
                                          ‫المسرحي وأفكاره حول‬              ‫الحديثة التي تناولت‬
                                         ‫عمل المخرج ودور الممثل‬     ‫المسرح الصيني والفرعوني‬
                                      ‫وتأثير الثقافات المختلفة على‬
                                      ‫التقاليد والطقوس المسرحية‪.‬‬        ‫والهندي القديم خلخلت‬
                                      ‫ولعل من أرفع الجوائز التي‬     ‫قلي ًل تلك المركزية التي طغت‬
                                        ‫حصل عليها يوجين باربا‬
                                      ‫حتى الآن نيشان الاستحقاق‬          ‫لعصور‪ ،‬بفضل انتشار‬
                                          ‫للجمهورية الإيطالية من‬      ‫اللغات الأوربية وخروجها‬
                                                                      ‫من حيزها الجغرافي بأكثر‬
                                                                      ‫مما فعلت اللغات الأخرى‪،‬‬
                                                                      ‫وبالتالي ظل تراث المسرح‬

                                                                          ‫وتاريخه حبيس اللغة‬
                                                                         ‫والجغرافيا م ًعا في تلك‬
                                                                      ‫المناطق مثل الصين والهند‬
                                                                       ‫وأجزاء أخرى من العالم‪.‬‬
   204   205   206   207   208   209   210   211   212   213   214