Page 195 - merit 50
P. 195

‫‪193‬‬            ‫ثقافات وفنون‬

               ‫تاريخ‬

‫محمد علي باشا‬  ‫جوزيف توسان رينو‬     ‫جورجي زيدان‬                         ‫فقد كانت حياته في ألبانيا حياة‬
                                                                           ‫تاجر همه في البيع والشراء‪،‬‬
‫كان واق ًعا تحت تأثير هذا الاتجاه‪،‬‬       ‫مطبعة بولاق بأربع سنوات‪،‬‬
    ‫فأراد أن ينتفع بالمصدر الذي‬         ‫ثم أنشئت المدرسة التجهيزية‬      ‫وكان أميًّا‪ ،‬فلم تكن معه وسائل‬
                                        ‫الحربية في قصر العيني سنة‬      ‫الاتصال بالحياة العلمية والأدبية‬
  ‫أفاض نور العلم على الجمهورية‬         ‫‪1825‬م‪ ،‬أي بعد إنشاء المطبعة‬     ‫بدار الخلافة‪ .‬هذا الرأي لا يفسر‬
    ‫الفرنسية‪ ،‬وقد سبق القول إن‬      ‫بخمس سنوات‪ ،‬ولم تنشأ مدرسة‬        ‫إنشاء المطبعة‪ ،‬إذ لا بد من غرض‬
   ‫مجرد التقليد لا يمكن أن يكون‬      ‫الطب التي عرفها الدكتور بيرون‬
   ‫سببًا في ذاته‪ ،‬ومحمد علي كان‬     ‫إلا في عام ‪1827‬م‪ ،‬أي بعد إنشاء‬       ‫يدفع الوالي إلى محاكاة مطبعة‬
                                       ‫المطبعة بسبع سنوات‪ ،‬فإنشاء‬      ‫القسطنطينية‪ ،‬أما التقليد في ذاته‬
 ‫لا يقل جه ًل بأحوال أوروبا عنه‬          ‫المطبعة إذن أسبق من إنشاء‬     ‫فلا يمكن أن يكون سببًا منطقيًّا‪،‬‬
           ‫بأحوال القسطنطينية‪.‬‬                                        ‫ذلك أن التقليد لا يمكن أن يستمر‪.‬‬
                                                           ‫المدارس‪.‬‬
        ‫أما الرأي الراجح لإنشاء‬         ‫من ناحية أخرى يرى البعض‬           ‫وكما نعرف فإن صاحب هذا‬
     ‫المطبعة‪ ،‬هو أن مطبعة بولاق‬     ‫بأن محمد علي أراد أن تنال مصر‬             ‫الرأي هو رينو الذي كان‬
    ‫لم تنشأ بمفردها مستقلة عن‬       ‫قب ًسا من شعلة الحضارة والرقي‬
   ‫بقية مشروعات محمد علي‪ ،‬بل‬          ‫مثلما حدث في أوروبا‪ ،‬وقد مهد‬         ‫من المشتغلين بتاريخ مطبعة‬
    ‫كانت جز ًءا من مشروع كبير‪،‬‬         ‫جيز لهذا الرأي بأن أورد قول‬        ‫القسطنطينية‪ ،‬مما سهل عليه‬
     ‫وكانت كأي مؤسسة أخرى‬               ‫نيكلسون في كتابه عن تاريخ‬       ‫الاعتقاد بأن المطبعة المصرية لم‬
    ‫من مؤسساته يرجى منها أن‬            ‫الأدب العربي‪ :‬وقع أهل مصر‬         ‫تكن إلا تقلي ًدا لتلك المطبعة‪ ،‬ولا‬
    ‫تساهم بإنجاح جانب من ذلك‬           ‫وسوريا وشمالي أفريقية تحت‬      ‫سيما أن مصر كانت ولاية تركية‬
  ‫المشروع الكبير‪ ،‬فلكي نصل إلى‬          ‫تأثير أوروبا منذ قاد نابليون‬
   ‫السبب في إنشاء مطبعة بولاق‬       ‫حملته علي مصر في سنة ‪1798‬م‪،‬‬                                ‫آنذاك‪.‬‬
                                       ‫ثم بنى رأيه على أن محمد علي‬     ‫أما عن رأي الدكتور بيرون الذي‬
       ‫يجب أن نتعرض لسياسة‬                                             ‫كان ناظ ًرا لمدرسة الطب المصرية‬
   ‫محمد علي العليا‪ ،‬التي وضعها‬                                         ‫بأن المطبعة أنشئت في أول الأمر‬
  ‫لدولته‪ .‬فالغرض الذي من أجله‬
                                                                          ‫لسد حاجة المدارس من الكتب‬
                                                                         ‫ولطبع الكتب المدرسية‪ ،‬خاصة‬
                                                                       ‫وأن المطبعة قد نشرت الكثير من‬
                                                                         ‫مؤلفاته ومترجماته‪ ،‬كما كانت‬
                                                                      ‫تنشر كل ما تحتاجه مدرسته من‬
                                                                         ‫الكتب وكل ما يؤلف أو يترجم‬
                                                                       ‫أساتذتها من المؤلفات‪ ،‬ولهذا قال‬
                                                                        ‫إن المطبعة أنشئت من أول الأمر‬
                                                                       ‫لهذا الغرض‪ ،‬لكن يظهر خطأ هذا‬
                                                                      ‫الرأي بمقارنة بسيطة بين تواريخ‬
                                                                      ‫إنشاء أولى المدارس وتاريخ إنشاء‬
                                                                        ‫المطبعة‪ .‬إن أول مدرسة أنشأها‬
                                                                      ‫محمد علي كانت مدرسة الموسيقى‬
                                                                      ‫العسكرية وكان تأسيسها في سنة‬
                                                                          ‫‪1824‬م‪ ،‬وكانت هذه المدرسة‬
                                                                         ‫في غير حاجة إلى كتب تطبع أو‬
                                                                       ‫مطبعة تنشأ من أجلها‪ ،‬ومع ذلك‬
                                                                        ‫فقد كان تأسيسها بعد تأسيس‬
   190   191   192   193   194   195   196   197   198   199   200