Page 63 - merit 50
P. 63
61 إبداع ومبدعون
قصــة
بتوصيلها إلى مكان ما. علاقتي بـ»نهير» كانت جز ًءا من علاقتي بالثورة
كانت ليلة باردة وكنت أنتظرها في الركن المعتاد. والميدان .كنت أحبها لأنها كانت جز ًءا من كل
أحاول غربلة ما ُيقال عبر مكبرات الصوت في ما يحدث .أمر على الناس ،أطالع وجوههم ،أقرأ
الميدان .كنا على حافة العالم .والعالم يتفرج بانتظار مخاوفهم ،أتدثر بآمالهم وأنا أحمل «نهير» كتميمة
نهاية قد تنتزع منه التصفيق أو الآهات .رفيق حماية .أنتظرها في المكان المعتاد .أنتظر في صبر
ميداني الملتحي الذي يحرص على دعوة الجميع وإخلاص .وعندما تحضر دائ ًما ما يكون لديها
للصلاة عند كل آذان قال إنه يتوجس من مصير مهمة جاهزة للطلب :توزيع بطاطين ،المساعدة في
حمل معدات الصوت ،توزيع بيانات ومنشورات،
معتصمي ميدان السماء .هززت رأسي قائ ًل نقل مواد طبية وأدوية للمستشفى .وأحيا ًنا تأمرني
«مستحيل» .بعض رفاق «نهير» في اجتماع ليلي
أمس أكدوا أن مطلبهم الذي لن يفاوضوا عليه
هو رحيل رأس النظام .دار جدل طويل حول من
يحل محله .كانت «نهير» متحمسة ومعها آخرون
للمصري المغترب .رجل السلام وصوت الضمير.
أنصت إليهم جمي ًعا وقد بدأت أشعر بغصة قلق.
لست قار ًئا جي ًدا للمشهد السياسي الدولي.
لكنني كنت قارئ صحف .أستقي زادي اليومي
من الوعي السياسي من أعمدة نجوم الصحافة.
أقرأ للجميع وأغربل وأفند وأقارن لتخير سبيل
لفكري .لكنني كنت أكتفي بالفرجة في نهاية اليوم.
«نهير» ورفاقها يبدون متحركين أكثر مني.
يتفاعلون ،ولو بطباعة شعار أو عبارة على تي
شيرت يرتدونه ويحرصون على تصويره أمام
العالم الذي يشاهدنا على مدار الساعة.
طال الانتظار تلك الليلة .خاصة مع استحالة
التواصل بغير طريق تويتر .كانت «نهير» ترسل
تغريداتها وتدويناتها عبر أرقام خصصها جوجل
لمساعدة الشعب الثائر .كنت عاج ًزا عن التواصل
معها واقعيًّا وافتراضيًّا .كانت مشغولة بعيدة
متباعدة مهمومة عصبية .أحتاج إلى فترة تأمل،
لكن هذا ترف وسط العيون المتعبة والسأم وفقدان
البوصلة .أتحدث عن نفسي .أحاول الإنصات إلى
خطباء الميدان لأستمد مد ًدا من أصوات تدعو إلى
الصمود ،تتغنى بحب الوطن ،توقظ فينا موا ًتا دام
عقو ًدا .شيء ما يتخلق داخلنا أو بالأحرى يوقظ
من سبات مائة عام؛ أو ربما كنت أستدعي عالمًا من
الروائح المعتقة بإرث عائلتي التي ش َّرقت وغ َّربت
وظلت تحتفظ بروح مصرية لا أراها إلا بين جنبات
بيت بنيته في قلبي ولم أجد ظ ًّل له على الأرض بين
الناس .كان الخطيب شا ًّبا في مثل عمري ،يمسك