Page 68 - merit 50
P. 68

‫العـدد ‪50‬‬                            ‫‪66‬‬

                                                                ‫فبراير ‪٢٠٢3‬‬

‫أحمد غانم عبد الجليل‬

‫(العراق)‬

‫َمغيب وبقايا فجر‬

‫كل مرة تفوح بعبق دفء اللمسة الأولى‪ ،‬قطرات من‬                                                      ‫هي‪:‬‬
  ‫ندى صا ٍف تتسلل إلى رضاب شفتيها المخضبتين‬               ‫دخلنا بهو الفندق نتصنع ذات اللهفة التي كانت‬
     ‫بذات لون طلاء الشفاه الذي جذبني لونه منذ‬            ‫تغمرنا عند بدء علاقتنا ونتكتم عليها أمام الناس‪،‬‬
     ‫أن رأيتها‪ ،‬كان شائ ًعا ج ًّدا بين الفتيات في ذلك‬  ‫بل نخفيها عن أنفسنا لو استطعنا‪ ،‬نتبادل الابتسام‬
   ‫الحين‪ ،‬فقد كانت تضعه بطلة إحدى المسلسلات‬
 ‫المدبلجة التي بدأت قناة التلفاز الوطني الثانية بثها‬         ‫الخفي عن العيون مهما بلغ قربها ومتابعتها‬
  ‫على مدى أشهر حتى صار ذلك اللون يحمل اسم‬                                                   ‫تصرفاتنا‪.‬‬
   ‫الممثلة ساطعة الجمال‪ ،‬إلا أنها ظلت لد َّي الأبهى‬
  ‫من نساء الأرض كافة‪ ،‬كانت تظنني أبالغ‪ ،‬أو أنه‬             ‫لحد الآن نحاول أن نبقى على عهدنا في خلوات‬
 ‫من ثنايا أبيات الشعر التي كنت أحفظها بمجرد أن‬          ‫العشق‪ ،‬من خلالها نتشبث بالماضي الذي يبدو لنا‬
 ‫أقرأها عدة مرات على الأكثر‪ ،‬وأحاول محاكاتها في‬
                           ‫خواطري بلا جدوى‪.‬‬               ‫جد بعيد‪ ،‬رغم ذلك نحاول التغافل عن مداه ولو‬
   ‫انزحت عنها قلي ًل فبدت طيَّات اللحاف بيننا مثل‬          ‫بأبسط الإيماءات والهمسات واللمسات‪ ..‬إلا أن‬
‫تل يفصلنا عن بعضنا‪ ،‬تل صغير لكنه يأخذ بالعلو‬             ‫عيني أحدنا تبقيان مرآة للآخر‪ ،‬لا تحسن الخداع‬
  ‫شيئًا فشيئا‪ ،‬لقا ًء بعد آخر‪ ،‬يتزاحف نحونا‪ ،‬يقلب‬      ‫أب ًدا‪ ،‬ولا في أدق التفاصيل‪ ،‬مهما غشاها توق شهوة‬
     ‫ك ٌّل منا على جنبه‪ ،‬مرة أعطيها وجهي فتوليني‬            ‫الشايين النهمين إلى جسدي بعضهما بحرارة‬
     ‫ظهرها‪ ،‬وأخرى بالعكس‪ ،‬وكأننا نواصل لعبة‬            ‫شمس لا يتبدد ضياؤها‪ ،‬بل يزيد اتقا ًدا كلما أوشك‬
 ‫جذب الحبل دون أن يتعلم أ ٌّي منا متى يشد ومتى‬
  ‫يتوجب عليه أن يرخي‪ ،‬كما لو كنا نتحدى أنفسنا‬                                             ‫شفق المغيب‪.‬‬
  ‫من خلال تحدي أحدنا الآخر‪ ،‬يصعب علينا حتى‬                 ‫صر ُت بين ذراعيه بالصورة التي يرغبها دو ًما‬
   ‫الشرح ومحاولة الفهم والتفهم بصو ٍت مسموع‬              ‫لتنشيه لذتها منذ القبلة الأولى‪ ..‬عيناه تتنقلان مع‬
 ‫دون أن تستدرج أحاديثنا زوابع الغضب وزمجرة‬                ‫حركة يد َّي وأصابعي المتقافزة نحوه‪ ،‬تتسلل إلى‬
       ‫الصياح وتراشق الاتهام‪ ،‬فننوي خصا ًما لا‬            ‫أضلع صدره العاري‪ ،‬كما لو أنه تحرر من ثيابه‬
 ‫نستطيع إطالة أمده‪ ،‬وقد نتحفز لانفصال لا نقوى‬
 ‫أن نحقق أ ًّيا من قسوة وعوده الصارخة فينا‪ ،‬فلا‬                             ‫بمجرد عبورنا عتبة الغرفة‪.‬‬
  ‫نكاد نشرع بالبعد حتى يعاودنا الحنين مثل ري ٍح‬
   ‫لا نود أن نسلم من عصفها حتى نلملم أجنحتنا‬                               ‫***‬
 ‫المجهدة ببن أحضا ٍن تغور عمي ًقا في نبض العروق‪،‬‬
                                                                                                  ‫هو‪:‬‬
                                                        ‫كل شيء يشي بتره ٍل اجت ِهدنا أن نلقي عبء زمنه‬

                                                            ‫عنا بعض الوقت‪ ،‬ترهل في كل شيء فينا ومن‬
                                                            ‫حولنا‪ ،‬لا في عنفوان جسدينا فحسب‪ ،‬هجست‬

                                                              ‫دبيبه يعاود أصابعي لدى ملامسة صدرها‪،‬‬
                                                        ‫تحتويني بالكامل دقات قلبها‪ ،‬ألق عينيها‪ ،‬وعذوبة‬

                                                                  ‫صوتها المنتزع خجلها من بكارته لتوه‪.‬‬
   63   64   65   66   67   68   69   70   71   72   73