Page 74 - merit 50
P. 74

‫العـدد ‪50‬‬                            ‫‪72‬‬

                                                               ‫فبراير ‪٢٠٢3‬‬

‫محمد حسن‬

‫(العراق)‬

‫ُشبهات الغياب‬

   ‫جبينها المعروق بطرف كم ردائها الفضفاض‪،‬‬                ‫قبل أن تنتهي من لف جسدها بردائها المنزلي‬
‫دنت منه بحذر بالغ‪ ،‬على أمل أن تظفر منه بنظرة‬           ‫وتغادر حجرة النوم حانت منها التفاتة مفاجئة‬
                                                       ‫لضوء الشمس المتدفق من خلال زجاج النافذة‪،‬‬
   ‫قصيرة‪ ،‬أن تتأمله لجزء من الثانية عن قرب‪،‬‬
         ‫أن تستجلي ما ج َّد على جبينه المخدد أو‬          ‫فتراءى لها ظله يتمايل على وقع هزات طرف‬
         ‫ما حل بخديه الزاهيتان‪ ،‬إلا أنه أجهض‬            ‫الستارة المزهرة‪ ،‬اندفعت نحوه كالتيار خافقة‬
                                                   ‫القلب متأججة المشاعر لتعانقه وتلتحم به لكنه تبدد‬
       ‫محاولتها برمشة عين وتوارى بجزء من‬             ‫بسرعة البرق‪ ،‬وتلاشى في متاهة العدم‪ ،‬استولت‬
         ‫الثانية بين أقواس الفراغ‪ ،‬ذلك ما جعل‬         ‫عليها حيرة وشده شديدين‪ ،‬وهي لا تنفك تجيل‬
        ‫سنونوة قلبها تهفو وراء بقاياه تطارده‬          ‫عينيها المرتابتين متنقلة بهما من جهة إلى أخرى‬
            ‫بكل جوارحها‪ ،‬لكن في اللحظة التي‬        ‫بينما فزع المفاجأة يكاد يشل عقلها‪ ،‬ويجمد دمها في‬
          ‫تكهنت فيها أنها توشك أن تستخلص‬            ‫شرايينها‪ ،‬لبثت للحظة متحيرة لا تدري ماذا تفعل‬
         ‫رواسبه من الهواء‪ ،‬تبخر كنفخة دخان‬          ‫أو تقول‪ ،‬بعد صم ٍت وترد ٍد طويلين وجدت نفسها‬
        ‫في ريح عاصف‪ ،‬توقفت منقبضة الصدر‬               ‫تخرج من عقال اللحظة وارباكاتها‪ ،‬حين تخطت‬
         ‫شاحبة الوجه وجلة الهيئة زائغة العقل‬          ‫الموقف وثابت إلى نفسها‪ ،‬هبت فزعة نحو إحدى‬
          ‫والنظر‪ ،‬شاردة الفكر لأقصى درجات‬             ‫الزوايا‪ ،‬فتشت عن بقاياه‪ ،‬بحثت وراء لوح الباب‬
                                                     ‫الموارب‪ ،‬نبشت أدراج خزانة الثياب‪ ،‬فتشت أرفف‬
      ‫الشرود‪ ،‬ترين عليها لحظات صمت طويل‪،‬‬            ‫خزانة الكتب بحثًا عن رائحته‪ ،‬جابت أروقة المنزل‪،‬‬
         ‫قبل أن تتفجر في داخلها رغبة مجهولة‬          ‫استطلعت شرفاته الجانبية‪ ،‬ذرعت حجرات البيت‬
                                                      ‫العليا ودلفت لمخزن المتروكات المنزلية‪ ،‬لمَّا فشلت‬
 ‫المصدر تحملها على الصراخ‪ ،‬تصرخ من فورها‬               ‫محاولاتها بالعثور عليه هبطت السلم من جديد‬
  ‫بألم وحرقة‪ ،‬غير أن صرختها تعلَّقت في حبال‬          ‫مكسورة الخاطر نادبة حظها العاثر بألم وحسرة‬
‫حنجرتها‪ ،‬تقف ثانية لتلتقط أنفاسها وتحاول أن‬            ‫وحزن‪ ،‬حتى فاجأها ظله الناحل يدخل من شق‬
   ‫تستفهم ما يجري‪ ،‬لكنها سرعان ما تضطرب‬              ‫ستارة نافذة حجرة المعيشة‪ ،‬تلبثت لوهلة حابسة‬
                                                   ‫انفاسها مبطئة من خطواتها متهجية اسمه بصوتها‬
      ‫ويساورها الشك بفقدان صوتها‪ ،‬فتسارع‬            ‫الضعيف حر ًفا حر ًفا‪ ،‬قبل أن يسكتها تردد صوت‬
                        ‫لتبديد شكوكها بقول‪:‬‬             ‫عيار ناري دوى في الجوار‪ ،‬تلفتت خائفة يمنة‬
                              ‫‪ -‬آآآآآآآآآآآآآآآآ‪.‬‬    ‫ويسرة‪ ،‬ثم خطت لعدة خطوات وتوقفت‪ ،‬لتجفف‬

              ‫تتنصت بكامل حواسها لترددات‬
            ‫صوتها المنحبس‪ ،‬تشبك يديها حول‬
             ‫رأسها‪ ،‬ترتقي السلم بوجه شاحب‬
        ‫وعينين ساهمتين‪ ،‬تقف لثانية تطالع ما‬
   69   70   71   72   73   74   75   76   77   78   79