Page 7 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 7

‫افتتاحية ‪5‬‬

  ‫بما يدين به الفرد بقدر اهتمامها بواجباته‬          ‫مبنى ماسبيرو كانوا يرفعون صو ًرا‬
   ‫تجاهها‪ ،‬وبالتالي حقوقه لديها‪ ،‬حدث هذا‬          ‫وشعارات مسيحية‪ ،‬وكانت أعلى آمالهم‬
                                                  ‫إعادة بناء الكنيسة‪ ،‬وقد وعدهم المجلس‬
     ‫منذ خمسمائة سنة‪ ،‬منذ بداية النهضة‬         ‫العسكري بذلك‪ .‬ما كان يشغلني أن الثورة‬
     ‫الأوروبية‪ ،‬بداية من نقاط مارتن لوثر‬        ‫تذهب باتجاه التجاذب الديني الإسلامي‪/‬‬
  ‫الخمسة والتسعين ونشوء البروستانتية‪،‬‬           ‫المسيحي‪ ،‬في الوقت الذي من المفترض أن‬
  ‫واكتشاف الأمريكتين‪ .‬فإذا كان مسيحيو‬              ‫يتج َّمع المصريون باعتبارهم مواطنين‪،‬‬
   ‫الغرب وجدوا ضرورة للتجديد‪ ،‬ونفذوه‬          ‫يدافعون عن حقوقهم في الوظائف والرواتب‬
       ‫بالفعل‪ ،‬وهو ما أدى ‪-‬سواء بصورة‬            ‫المجزية‪ ،‬إلى جانب حرية التعبير واحترام‬
‫مباشرة أو غير مباشرة‪ -‬إلى خروج أوروبا‬
‫من عصور الظلام إلى عالم النور والحضارة‬             ‫الخصوصية وضمان التداول السلمي‬
                                                ‫الهادئ للسلطة‪ ،‬والديمقراطية والشفافية‪،‬‬
        ‫والمدنية والتقدم المذهل في المجالات‬      ‫ولتكون مسألة الاعتقادات الدينية مسألة‬
       ‫كاف ًة‪ ،‬فلماذا يرفض مسيحيو الشرق‬       ‫شخصية تخص كل فرد‪ ،‬دون أن يتدخل في‬
‫(الأرثوذوكس) تطوير خطابهم‪ ،‬ويتمسكون‬
    ‫بالأصول الأولى للديانة مع أن المسيحية‬                               ‫عقائد الآخرين‪.‬‬
  ‫واحدة؟ هل يرتبط هذا بنا نحن كشرقيين‬              ‫مسألة (الاستكبار) أو الطغيان الديني‬
   ‫أصوليين بالفطرة؟ هل يرتبط بـ‪-‬ويتبع‬               ‫الإسلامي في منطقتنا‪ ،‬والتي تظهر في‬
   ‫وينطلق من‪ -‬وجود الأصولية الإسلامية‬               ‫التضييق على المختلفين عقائد ًّيا وهدم‬
  ‫التي تحاول إقصاء المسيحيين وتهميشهم‬             ‫الكنائس والاعتداء عليها وحرقها أحيا ًنا‬
    ‫كما ذكرت؟ أم أنها مسألة إيمانية فقط؟‬      ‫‪-‬مثال برناب بأسوان وإمبابة‪ -‬ومحاصرة‬
   ‫أنا كمواطن أرفض طغيان الأكثرية‪ ،‬وأقر‬
   ‫‪-‬تما ًما‪ -‬أنه قد يدفع الأقلية ‪-‬أية أقلية‪-‬‬          ‫المباني ‪-‬مثال مبنى العمرانية‪ -‬هذا‬
       ‫إلى الغلو والعند وزيادة الاستمساك‬          ‫الاستعلاء مبني على الأكثرية التي تنفي‬
   ‫بثوابتها والتحصن بعضها ببعض‪ ،‬وهذا‬              ‫الآخرين ولا ترى إلا نفسها‪ ،‬خاصة أن‬
     ‫ما يجعلني أقف في صفها في كثير من‬             ‫الدين الإسلامي ينظر لكل من لم يدخل‬
‫الحالات‪ ،‬خاصة وأن ثمة عمليات «إرهابية»‬           ‫فيه باعتباره كاف ًرا‪ ،‬وأن الله لن يقبل من‬
    ‫أودت بحياة كثيرين من الأبرياء‪ ،‬رجا ًل‬       ‫المختلفين عباداتهم‪ ،‬وهو الأمر الذي خلق‬
‫ونساء‪ ،‬شيو ًخا وأطفا ًل‪ ،‬دون ذنب اقترفوه‪،‬‬         ‫مشكلة حقيقية للمواطنين المسيحيين في‬
 ‫لكنني ‪-‬في الوقت ذاته‪ -‬أرى أن الأقلية لو‬          ‫مصر‪ ،‬وجعلهم يحتمون بالكنيسة أكثر‬
    ‫كانت انضمت للقوى المدنية التي تنادي‬
     ‫بتحييد الدين في مسألة الحكم‪ ،‬لانتهت‬                                        ‫وأكثر‪.‬‬
 ‫معظم مشاكلها‪ ،‬ولتحولت مصر إلى طريق‬             ‫الملاحظ أي ًضا؛ وبقوة‪ ،‬أن المؤمن المسيحي‬
 ‫يوصلها إلى الدولة الحديثة‪ ،‬دولة المواطنة‪،‬‬
    ‫لكن هذا التفاعل الإيجابي لم يحدث مع‬           ‫الذي يتحدث كثي ًرا عن ضرورة «تجديد‬
  ‫الأسف‪ ،‬فعلى سبيل المثال لا الحصر‪ ،‬فإن‬               ‫الخطاب الإسلامي»‪ ،‬باعتباره مليئًا‬
 ‫عدد الذين صوتوا بـ(لا) لتعديلات دستور‬
  ‫‪ 1971‬يوم ‪ 19‬مارس ‪ ،2011‬أقل من القوة‬             ‫بالأساطير والخرافات‪ ..‬إلخ‪ ،‬لا يجد أية‬
‫التصويتية للمواطنين المسيحيين‪ ،‬ولو كانوا‬       ‫ضرورة لتجديد الخطاب المسيحي‪ ،‬بالرغم‬
   ‫شاركوا بفاعلية في إيقاف تمهيد الأرض‬
                                                 ‫من أن الأساطير تملأ كل الكتب القديمة‪،‬‬
                                                 ‫وأن التطور أصبح لاز ًما‪ ،‬بل إن الكنيسة‬

                                                   ‫الغربية استطاعت أن تتح َّرر من سلطة‬
                                                    ‫النص القديم‪ ،‬وف َصلت بشكل تام بين‬
                                                ‫الكنيسة والدولة‪ ،‬ولم تعد تلك الدول تهتم‬
   2   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12