Page 10 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 10

‫العـدد ‪32‬‬  ‫‪8‬‬

                                                       ‫أغسطس ‪٢٠٢1‬‬

‫د‪.‬وسيلة بوسيس‬

‫(الجزائر)‬

‫تحقيق في الشأن التخييلي للواقع‪..‬‬

‫رسالة إلى بطل رواية «ضمير المتكلم»‬

‫بكيت مطو ًل لغياب زهور‪ .‬وبكيت وأنا أرى الناس يهاجرون هاربين‬
‫من البلد‪ .‬بكيت وأنا أرى الجزائريين يقفون ص ًّفا واح ًدا بانتظار أكياس‬
‫الحليب المدعم‪ .‬وبكيت وأنا أجبر على الالتحاق بثانوية تعيسة لم أرغب‬

‫في مواصلة التعليم فيها ولكنني تقادمت فيها‪ .‬بكيت لألف سبب ولا أحد‬

‫رأى دموعي‪ .‬ألف ألف دمعة كانت زهور تقف خلفها‪ .‬زهور التي لم تكن‬
‫البلاد تعني لي شي ًئا عداها‪ .‬لسنوات طويلة ظلت زهور هي الصورة‬

‫الجميلة الوحيدة التي تحيل على الجزائر‪ .‬الأشكال والأحجام أكثر جلاء‬

‫في البلاد الأجنبية‪.‬‬

      ‫والمجلس؟)‪ ..‬هم أناس حلموا بوطن كريم فباؤوا‬                              ‫إليك يا الشيخ‪.‬‬
                ‫بالطوفان كما يقول محمود درويش‪.‬‬
                                                                              ‫أنت الذاكرة الكبرى للعالم‪.‬‬
‫كنت واقفة هنا خلفك وأنت في جحيمك الروائي تتعرض‬            ‫أنت الصوت العظيم الذي يمنحنا إمكانية السفر في‬
  ‫للمساءلة‪ ،‬وكنت أحاول أن أجيب ولكنك كنت تتحدث‬           ‫ذواتنا لأنه يمكننا من نعمة حرمنا منها زمننا‪ :‬نعمة‬
                           ‫بد ًل عني ببراعة كبيرة‪.‬‬
                                                                                             ‫الإنصات‪.‬‬
‫كنت واقفة هنا أتق َّرى عبورك على سكة الرواية‪ .‬قال لك‬     ‫الشيخ في رواية «ضمير المتكلم» ينصت دون أحكام‪.‬‬
‫صديقنا المحقق من أعلى هرمه الأمني الذي أصبح يتعب‬       ‫وأنت يا الشيخ تنصت إلى الجميع‪ ،‬وتتحول إلى الفضاء‬
 ‫انطلاقاتنا الشعبية صوب الحرية‪« :‬لهذا تجدنا نتحرى‬        ‫الديمقراطي الذي حلم به الشعر قدي ًما‪ :‬أليس الشعر‬
‫دو ًما وفي كل شيء بشكل غير رسمي‪ .‬أعتقد أن الدماغ‬
‫كالبيت‪ ،‬يأوي كثي ًرا من المعلومات التي قد تهم الجهات‬                                  ‫لسان حال القوم؟‬
                                                                                          ‫بلى يا الشيخ‪.‬‬
  ‫الأمنية‪ .‬وبعض هذه المعلومات متعلق بالسلك الأمني‬
 ‫أص ًل»‪ ،‬أردت أن أجيبه بأن العلم بالأشياء ليس حسنًا‬      ‫لقد تربعت على عرش رواية كبيرة بكل المقاييس من‬
  ‫دائ ًما‪ ،‬ولكنك أثنيتني وقلت لي‪ :‬كلامك لن يجدي أيتها‬   ‫خلال انسحابك شبه التام لفائدة متكلمين معذبين من‬
                                                       ‫بسطاء الناس الذين ذهبت بهم أطماعهم في كل مذهب‪.‬‬
                                ‫الشاعرة الحالمة»‪.‬‬      ‫ولكن دعنا نرى في أي شيء تراهم طمعوا وإلى أي حد‬
    ‫لم يصمت صديقنا المحقق في الرواية‪ ،‬قال لنا م ًعا‪:‬‬     ‫يكونون قد أذنبوا هؤلاء الأشخاص؟ هم أناس أحبوا‬
 ‫«أنت كاتب معروف والشخصيات تبوح لك بكل شيء‪.‬‬
                                                            ‫وطمعوا في تحسين ظرف الملبس والمأكل والمأوى‬
                          ‫وهذا تمرين خطير ج ًّدا»‪.‬‬      ‫والتفنن في كل ذلك (أليس هذا هو تعريف ابن خلدون‬
‫كنت أريد أن أقول له ألف شيء ولكنك كنت تضغط على‬
                                                         ‫للحضارة؟ التفنن في شؤون المأوى والمأكل والملبس‬
   5   6   7   8   9   10   11   12   13   14   15