Page 15 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 15

‫‪13‬‬            ‫إبداع ومبدعون‬

              ‫رؤى نقدية‬

                                                                    ‫أو غيرها من الأسماء العربية‬
                                                                    ‫المؤنثة‪ .‬التأنيث يجعلك تحمل‬
                                                                    ‫كل أعباء العالم‪.‬‬
                                                                    ‫هل يمكن لعاشق مثل ذلك‬
                                                                    ‫الشخص أن يمنعه التاريخ‬
                                                                    ‫من الحب؟ كنت جالسة إلى‬
                                                                    ‫جانبك وهو يفضي إليك بما‬
                                                                    ‫يملأ صدره من ألم‪ .‬أذكر أنه‬
                                                                    ‫في لقائه الأول قال لك شيئًا‬
                                                                    ‫مثل هذا‪« :‬م َّر عشرون عا ًما‬
                                                                      ‫على ما كنا نـ‪..‬؟ على ماذا‬
                                                                    ‫تحدي ًدا؟ كنت ميتًا تما ًما منذ‬
                                                                      ‫أكثر من‪..‬؟ كم م َّر من عام‬
                                                                    ‫في هذه الأعوام العشرين؟ بل‬
                                                                    ‫الخمسة والعشرين؟ وكيف‬
                                                                    ‫تحولت الخمسة والعشرون‬
‫هواري بومدين‬  ‫نيلسون مانديلا‬                            ‫فرحات عباس‬  ‫سنة إلى عشرين سنة؟ هل‬

                                                                    ‫الخطأ في الحساب خطأ فعلي‬
                                                        ‫في التقدير؟ هل هذا جزء من أزمتي؟ لا بد أنه خطأ فع ًل‬
 ‫طالبة مولعة بالفن إلى سيدة أعمال منغلقة على شجنها‬      ‫في أزمتنا جمي ًعا‪ ،‬لا أزمتي أنا فحسب‪ .‬أزمة خلطت كل‬
  ‫الذي جعل وجهها ينغلق تما ًما‪ .‬جعل ملامحها فارغة‬       ‫حسابات البلد‪ .‬لا أدري ماذا يحدث في سيل الأيام لكي‬
‫من كل عاطفة ممكنة‪ .‬العاطفة نقطة ضعف حينما تكون‬          ‫تتحول كل تلك الأحلام الجميلة إلى كوابيس عديمة‬
‫امرأة في الوطن العربي وتحت ظلال الثقافة الإسلامية‪.‬‬                  ‫الرحمة‪.‬‬
  ‫يقال دوما إن الإسلام قد ك ّرم المرأة‪ .‬كم مضحك هذا‬     ‫في الصغر كنا في قسنطينة قبل أن يموت الرئيس‬
‫الكلام! الإسلام ك ّرم المرأة والمسلمون أو الذين يشغلون‬  ‫بومدين قبل أن ننتقل بحكم عمل الوالد إلى جيجل‪.‬‬
    ‫هذا المكان على وجه أرضنا البائسة العجوز هذه قد‬      ‫جيجل‪ .‬أكبر من مدينة وأصغر من وطن‪ .‬كنا نلعب م ًعا‬
                                                        ‫في الحي وفي بعض الأزقة الهاربة من جهنم الاحتلال‬
                             ‫تفننوا في إهانة المرأة‪.‬‬    ‫ثم الحرب‪ ،‬كنا نحيا في سعادة بلا ضفاف‪ ،‬بهجة تأتي‬
‫زهور هي كل هذا‪ .‬وأنا أقول هذا بالفم المليان كما يقال‪.‬‬   ‫من حيث لا ندري‪ ،‬حياة رائقة كانت تبدو أبدية‪ .‬ولكن‬
                                                                    ‫الأشياء تتغير بسرعة‪.‬‬
  ‫أقولها مالئة فمي بعدما امتلأت ذاكرتي بكل أصناف‬        ‫على التلفزيون كان الرئيس الرائع فرحات عباس يشاهد‬
   ‫الألم‪ .‬الذاكرة سلاح ذو حدين‪ ،‬ولكن ذاكرة المرأة يا‬    ‫جنازة الهواري بومدين بوجهه العظيم الذي نعرفه‬
   ‫الشيخ هي ذاكرة ذات حدين مؤلمين‪ ،‬فإما أن تقطعك‬        ‫له‪ :‬صامت ومتفهم لاستعداد الناس للحقارة وغير‬
                                                        ‫قابل للقبول بفواتير الدم السائل والفتنة التي تذرع‬
                                  ‫وإما أن تقطعك‪.‬‬                    ‫الشوارع»‪( .‬الرواية‪ :‬ص‪)60‬‬
    ‫كنت جالسة أحاول ألا أبكي وأنا اسمع ‪-‬رفقتك يا‬        ‫العنت السياسي يمنع الحب من أن يكون حبًّا‪ ،‬ويمنع‬
‫الشيخ‪ -‬كلام ذلك العاشق سيئ الحظ وهو يشكو فراغ‬                       ‫الإنسان من التمتع بإنسانيته‪.‬‬
  ‫عالمه من الحب الذي ظل يرتقبه ثلاثين سنة‪ ،‬حسبها‬        ‫أخطاء التاريخ تظهر أكثر ما تظهر على أديم القلب يا‬
   ‫لسبب غريب عشرين عا ًما‪ .‬كنت هنالك مختنقة وهو‬                     ‫الشيخ‪.‬‬
   ‫يقول لك في سركما الذكوري الفارغ من الأنثى التي‬       ‫تابعت زهور وهي تسقط شيئًا فشيئًا‪ ،‬لقد تحولت من‬
    ‫كانت كامنة في الأشياء تحاول أن تخفف من وطأة‬
‫«الإنسان» على الأرض‪ .‬مجالس الرجال لا تطيق التأنيث‬
‫يا شيخنا الطيب‪ .‬فهمت ذلك جي ًدا من أمي ومن عشرات‬
   10   11   12   13   14   15   16   17   18   19   20