Page 16 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 16
العـدد 32 14
أغسطس ٢٠٢1
يقفون ص ًّفا واح ًدا بانتظار أكياس الحليب المدعم. أو آلاف النسوة .كلهن كن يقلن لي :كوني خفيفة حيثما
وبكيت وأنا أجبر على الالتحاق بثانوية تعيسة لم أرغب حللت.
في مواصلة التعليم فيها ولكنني تقادمت فيها. قال لك في جلستكما من الليلة الثانية شيئًا مثل هذا:
بكيت لألف سبب ولا أحد رأى دموعي .ألف ألف دمعة «عشرون عا ًما من السؤال نفسه :من المنتصر يا ترى؟
كانت زهور تقف خلفها .زهور التي لم تكن البلاد تعني
لي شيئًا عداها .لسنوات طويلة ظلت زهور هي الصورة وحده الوقت ينتصر في النهاية.
لا منتصر إلا الوقت.
الجميلة الوحيدة التي تحيل على الجزائر .الأشكال
والأحجام أكثر جلاء في البلاد الأجنبية. الوقت أبونا الذي في السماء والأرض.
عدنا إلى ذلك المكان الذي شهد لقاءنا الذي ظنناه أبد ًّيا..
حينما لاقيت زهور بعد كل تلك السنوات وضعت
الأغنية التي كثي ًرا ما جمعتنا فبدا كأنها لم تتعرف ولكن أشياء كثيرة لم تستطع أن تعود معنا ،الأماكن
تتسرب عبر الزمن أي ًضا يا الشيخ .القلب يسير إلى
عليها إلا قلي ًل. مستقر له ..والمستقر أي ًضا يسير إلى مستقر له .وتاج
كم غنى قلبها بعي ًدا عني!
الوقت الذي لا يتوج أح ًدا هو الموت.
قالت :إنه الصقيع. ماذا تستطيع الحياة إزاء الموت.
قلت :العالم لا يرحم.
قالت :أنا أم لأطفال يغنون في قلبي أغانيهم هم لا وحدها الميلية هذه البلدة التي هي كبيرة في حزنها
غائرة في شقائها بحجم شقاء البلد ..وحدها هي لم تكن
أغان َّي القديمة أنا.
قلت :إن الوقت يعوزك دائ ًما. تسير إلى مستقر.
لم أكن أفهم أنها كانت تحاول دعوتي إلى الشفاء منها. هي والذاكرة..
ولم تكن تفهم أنني لا أريد الشفاء .الشفاء من الذاكرة
شكل آخر من أشكال المرض يا الشيخ. الذاكرة وحدها فتى مغفل .لم تفهم أن الجماعة تنطق
بالمناسبة؛ وجهك شاحب ج ًّدا يا الشيخ .ربما عليك بكلمات لا يأبه بها أحد.
إجراء تحاليل أو شيء كهذا.
آآآه يا الشيخ ..كيف نفسر ما لا تفسير له بالكلمات؟ الذاكرة ظلت تكرر الأغنية «ليتك كنت هنا» Wish you
أحدث نفسي طوال الوقت .ضمير المتكلم لا يقول ..were hereأغنية ظلت تنتظرها معي يا الشيخ .ألا
الحقيقة بل يعلن عن الجنون س ًّرا.
أهم الأشياء تعرض نفسها أمامنا ..لا نحتاج إلى كثير تعتقد أن الأغاني تحيا بنا ولنا ،وتموت إذا فتر انتباهنا
من الذكاء لكي نفهم كل شيء. إليها واعتناؤنا بها في الآذان والقلوب؟»( .الرواية:
من قال إنني أردت الشفاء منها؟ ص)98 -97
العاشق لا يسمع الأشياء بالأذن التي يسمعها بها
الغير .للعاشق أذ ٌن عاشقة تداويه من كل صقيع. قال أشياء كثيرة عن البلد وعن الناس وعن تعجبهم
ذكر ْت بعض تفاصيلنا القديمة .بعضها كان عال ًقا من أنه قد عاد إلى بلده في وقت كان الناس فيه جمي ًعا
بالذاكرة وبعضها لم أذكره جي ًدا .ظننتنا كنا م ًعا هنالك. يحاولون الهرب من البلد ..استوقفني كثي ًرا عند كلامه
لم نكن كذلك ،أو لم نكن كما كن ُت أحسبنا كنا .وربما عن مرارة عودة الزمن .تعرف ذلك الحلم الذي يراودنا
لا يمكننا أن نستمر في الحياة كما نستمر على أديم جمي ًعا بالعودة في الزمن .ذلك العاشق المسكين حقق
الذاكرة»( .الرواية :ص)99 -98 حلمه ،ولكنه اكتشف أنه كابوس وليس حل ًما ورد ًّيا كما
يعتقد الجميع .سمعته يا الشيخ ،سمعته وهو يشكوك
إنها نهاية العالم يا الشيخ أمره قائ ًل« :الحقيقة هي أن كل شيء ظل كما هو رغم
أن كل شيء كان مختل ًفا .كانت زهور قد اختفت تما ًما.
قيل لي إنها مسافرة منذ سنوات .لم أجد لها طري ًقا.
ذهبت إلى بيتها فقابلني أخوها؛ مجاهد عجوز يسمى
«عمي علي» ،سألته عنها فسألني من أكون .شرحت له
أنني صديق قديم فقد أثرها .قال لي :الله رحمها .أختي
ميتة .لم يعد لدي أخت بهذا الاسم.
بكيت مطو ًل لغياب زهور .وبكيت وأنا أرى الناس
يهاجرون هاربين من البلد .بكيت وأنا أرى الجزائريين